ما حصل في فرنسا من انحسار كبير للأحزاب والوجوه التقليدية لصالح تقدم حزب جديد هلامي يقوده رئيس جمهورية أيضا هلامي التوجهات، شأن يحتاج إلى الكثير من الدراسة والتمعن تحت العنوان التالي: تراجع الأيديولوجيا بنخبها وتقدم المجهولوجيا بمغموريها.ربما تكون الحالة الفرنسية أهون بكثير من الحالة الأميركية لأن فكرة العمل الجماعي والتنظيم الحزبي لا تزال على قيد الاحترام، ومن الممكن توقع المسار الذي تسير فيه حتى النهاية، لأنها محكومة بالنظام العام والمؤسسات التي تحميه، في الحالة الأميركية نجد أننا أمام حالة فريدة من نوعها وثغرة نفذ منها شخص لم يسبق له ممارسة العمل السياسي أو تولى أي منصب رسمي، تمكن أولا من تجاوز رموز حزبه ثم انتزع حق الترشح عنه، ثم أطاح بمرشحة الحزب المنافس ليصل إلى البيت الأبيض وفقا لقوانينه الخاصة ورؤيته الجديدة في العمل، بدون حزب يسانده أو كونغرس يدعمه أو آلة إعلامية تروج له وتخفف الضغط عنه، هو يعتمد فقط على حسابه في "تويتر" لاعتقاده الراسخ أن من أوصله هم الناس وهم الجهة الوحيدة التي تستحق التواصل، وحتى وزارة الخارجية عانت ولا تزال عدم اتزان الرئيس ونزقه في التغريدات التي يكتبها دون أن يحسب حساباً لعواقبها، مع الأسف هذا ما وصلت إليه دولة عظمى مثل أميركا.
أعود إلى الحالة الفرنسية لأقول إن فرنسا بالفعل مقبلة على حقبة جديدة من حياة الجمهورية الخامسة، رئيس شاب من خارج الأحزاب التقليدية، وبرلمان جديد بأغلبية كاسحة مكونة من حزب الرئيس الجديد، قد تعود الأمور إلى سيرتها الأولى للنخب المتمرسة وآليات العمل القديمة، وقد تتكشف مع الأيام وقائع جديدة تؤكد أن العالم، لا فرنسا، قد تغير، ولا بد من تعلم الدروس مما حصل، وهو أن الانفصال المتواصل عن هموم الناس واستمرار صعود الفاسدين وأصحاب المصالح بالتناوب إلى مراكز اتخاذ القرار لن تكون نهايته سوى ثورات جذرية تطيح بالعقول قبل العروش، فمن يقرأ ويتدبر؟ يبدو أنها سنّة من سنن الكون.
مقالات
الأغلبية الصامتة: تقدم «المجهولوجيا»
15-06-2017