في تحدٍّ واستفزاز لا مثيل لهما، نقلت إيران ما تسميه ميليشيات "الفاطميون" الأفغان- الشيعة من أقلية "الهزارا"، الذين نزحوا من بلدهم أفغانستان عندما اشتد الضغط عليهم في فترة حكم حركة "طالبان" المتطرفة، وجاءوا لاجئين إلى الجمهورية الإيرانية، إلى الحدود العراقية- السورية غرب الموصل، كخطوة لنقلهم مع أسلحتهم الثقيلة إلى سورية، لفتح طريق طهران- دمشق وصولاً إلى لبنان والبحر الأبيض المتوسط.

وبالطبع فإن قائد فيلق القدس، التابع لحراس ثورة إيران، الجنرال قاسم سليماني جاء لمرافقة هؤلاء الذين كان ثمن قتالهم في سورية إعطاءهم الجنسية الإيرانية، وكان خيارهم الثاني هو العودة إلى بلدهم أفغانستان طرداً، على اعتبار أنهم جاءوا إلى هذا البلد "المضيف" كلاجئين عاشوا في "مخيمات" مؤقتة لم تتوفر فيها الحدود الدنيا من الحياة الكريمة والمتطلبات الإنسانية.

Ad

المهم... وزيادة في الاستفزاز والتحدي الطائفي فإن قاسم سليماني، الذي أصبح "طرزان" التدخل العسكري الإيراني في العراق وسورية... ولبنان وأيضاً في اليمن، قد تعمّد أن يتم التقاط صور له وهو يصلي صلاة الشكر، رجْلٌ في الأراضي العراقية وأخرى في الأراضي السورية، لتحقيق إيران كل هذه الانتصارات التي حققتها في اثنتين من أهم الدول العربية، وحيث تسعى الآن إلى إقامة "الكاريدور" الذي تسعى لإقامته، بدعم روسي لا يمكن إنكاره، بين طهران وضاحية بيروت الجنوبية على شواطئ المتوسط الشرقية.

والسؤال هنا هو: لماذا يلوذ الأميركيون بكل هذا الصمت المريب إزاء كل هذا الذي تفعله إيران، التي إن هي حققت "كاريدورها" البري هذا فإنها ستحقق، عملياً، تعميم نفوذها في هذه المنطقة الشرق أوسطية كلها؟ والغريب هنا أيضاً أن إسرائيل بدورها لم تحرك ساكناً إزاء كل هذه المستجدات والتحولات الخطيرة، مما يعني أنها قد تكون بدورها منخرطة في عملية تقاسم أدوار مع الإيرانيين و"حراس ثورتهم" وميليشياتهم، لتقاسم المنافع، وهي منافع "استراتيجية" وكثيرة!

وهكذا فإن ما يعزز الشكوك، بل والقناعات بأن "داعش" بالأساس هو اختراع مشترك بين الإيرانيين ونظام بشار الأسد ليس بسكوت روسي فقط، بل بمباركة روسية، أن جميع مناطق البادية التي تقدمت فيها قوات هذا النظام ومعها القوات والميليشيات الإيرانية كانت تحت سيطرة هذا التنظيم الذي يطلق على نفسه اسم "الدولة الإسلامية"... وما يجري في هذا المثلث الحدودي يجب النظر إليه على أنه في منتهى الخطورة، خصوصاً أن هناك معلومات عن اتفاق روسي- أميركي على تحويل هذه المنطقة إلى منطقة نفوذ روسي... فهل هذا صحيح؟!

إنه لا شك في أن هناك فرقاً كبيراً بين مواقف هذه الإدارة الأميركية الجديدة، التي على رأسها دونالد ترامب، وبين الإدارة السابقة التي كان على رأسها باراك أوباما، خصوصاً تجاه إيران، وتجاه الأزمة السورية، وتجاه العديد من الأمور العالقة في الشرق الأوسط كله، وأيضاً في أوكرانيا والقرم وبعض دول البلطيق، لكن مع ذلك فإن هناك شيئاً اسمه ألاعيب الدول الكبرى... وعلينا أن نبقى نضع أيدينا على قلوبنا، وأن نتوقع "لعبة" أميركية- روسية!