الفقر والبطالة يقودان «احتجاجات الريف» في تونس والمغرب
زخم الربيع العربي يعود إلى تونس.. داخل خيمة بسيطة وسط صحراء صخرية تجلس مجموعة من الشباب التونسي على الأرض في حرارة تصل إلى 38 درجة مئوية وتتحدث عن الكرامة والعمل.على بعد نحو مئة متر منهم ينتشر عدد من الجنود حول سور محطة لضخ النفط، يقول أحد أفراد المجموعة ويدعى نيسام لبان: «هذا النفط لنا».
اضطرابات اجتماعية
قبل ستة أسابيع أقام الشباب مخيمهم الاحتجاجي عند محطة لضخ النفط جنوبي تونس وقاموا بوقف الإنتاج في المحطة وقطع الطرقات، مطالبين بنصيبهم في موارد المنطقة.يقول لبان: «سنبقى هنا حتى يصبح لدينا عمل أو ندخل السجن».في نهاية مايو الماضي تصاعدت الاضطرابات الاجتماعية جنوبي تونس، وتصدى لها الحرس الوطني التونسي بالذخيرة والغاز المسيل للدموع، بينما قذف المتظاهرون قوات الأمن بالحجارة.النيران اشتعلت في عدة خيام داخل المعسكر الاحتجاجي، ولقي أحد المتظاهرين حتفه بعدما دهسته مركبة تابعة للحرس الوطني، وامتدت الاحتجاجات بعد ذلك لمدن أخرى في جنوب البلاد ورافقتها اشتباكات في الشوارع وحرق لسيارات ومنشآت تابعة للشرطة والحرس الوطني وقطع للطرق بإطارات سيارات مشتعلة.يقول المهندس لبان (27 عاماً): «الناس هنا يريدون حياة أفضل»، مضيفاً أن المواطنين في تونس كان لديهم أمل في ذلك عقب ثورة عام 2011، لكن لم يعد هناك فرص عمل جديدة مؤخراً في ظل وعود بتحسن الأوضاع من الحكومة المركزية في العاصمة التي تبعد نحو 600 عن موقع الاحتجاجات جنوبي البلاد.يقول لبان متسائلاً: «من يجني الأرباح؟ فرص العمل هنا تعطيها شركات دولية ورجال أعمال من المدن الساحلية لأناسهم».تهميش
في المناطق المهمشة في الجنوب وفي صحراء تونس يشعر الشباب بالخديعة من الأوساط السياسية، كلما ابتعدت الطرقات عن الساحل في اتجاه مخيم الاحتجاج يتلاشى اللون الأخضر والأشجار على جانبي الطرقات حتى تسود الرمال والصخور.المنطقة قاحلة لدرجة جعلت مخرج أفلام «حرب النجوم» جورج لوكاس يستلهم اسم الكوكب الصحراوي الخيالي في أفلامه من اسم منطقة «تطاوين» التونسية. وبحسب البيانات الرسمية، فإن البطالة وصلت إلى أعلى مستوياتها في تونس، حيث بلغت نسبتها 32%، وتصل نسبة البطالة بين الأكاديميين 60%.الآن يصيب المتظاهرون الدولة في منطقة حساسة، حيث يتركز نحو 50% من الإنتاج المحلي للنفط في الجنوب، ومؤخراً سحبت شركة «إو إم في» النمساوية للطاقة أكثر من 700 عامل لديها من المنطقة.في عام 2011، مباشرة عقب الإطاحة بنظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وضعت الحكومة التونسية ورقة بيضاء عن عدم التكافؤ الإقليمي والتمييز ضد المواطنين في المناطق المهمشة، لتحسين أوضاع المواطنين، لكن في السنوات اللاحقة واجهت تونس مشكلات اقتصادية، وظل التطور المأمول غير محقق إلى حد كبير.منظمة «مجموعة الأزمات الدولية» أصدرت مؤخراً تحليلاً سلبياً عن الأوضاع الراهنة في تونس، جاء فيه: «بالرغم من تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تزال البلاد تعاني بصورة متزايدة من الإقصاء الاجتماعي-الإقليمي بسبب الفساد». وأضاف التحليل أن هذا الأمر أدى إلى انعدام تكافؤ الفرص والتمييز ضد المواطنين في المناطق المهمشة، فعلى سبيل المثال في ولاية تطاوين، التي تبدو في الخريطة على هيئة مثلث بين الحدود الليبية والجزائرية، يكسب الكثير من المواطنين رزقهم من البضائع المهربة والعمل غير المرخص.إصلاحات ديمقراطية
هذه التطورات لا تمس تونس وحدها، فالمغرب أيضاً يشهد منذ شهور اضطرابات، كان آخرها تظاهرات شارك فيها آلاف من الشباب المغربي في مدينة الحسيمة الساحلية، ورغم وجود إصلاحات ديمقراطية عقب انتفاضات عام 2011، لا تزال أغلب السلطة متركزة في يد الملك، والتنمية الاقتصادية في المدن الكبيرة مثل الدار البيضاء والرباط وطنجة.في منطقة جبال الريف والحسيمة، التي يقطنها غالبية من البربر، يشعر المواطنون بالخذلان، وزادت حدة الاحتجاجات منذ في أكتوبر الماضي بعدما لقي صياد شاب حتفه بعدما ألقى بنفسه داخل آلة كبس القمامة في محاولة لإنقاذ بضائعه التي رمتها السلطات في شاحنة النفايات بحجة أن السمك الذي كان يبيعه ممنوع صيده.رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني تعهد الأسبوع الماضي بتلبية «معقولة» لمطالب المتظاهرين ورصد التطورات في قطاعات الصحة والتعليم والتشغيل بدقة، إلا أنه أعلن في الوقت نفسه عزمه فرض الأمن في البلاد. وكانت الشرطة المغربية ألقت القبض قبل ذلك بفترة قصيرة على شخصيات بارزة في الحركة الاحتجاجية.ثورة جديدة
في الصحراء التونسية تم تهيئة المخيم الاحتجاجي أمام محطة ضخ النفط للاستمرار لفترة طويلة.على جانب الخيام تتكدس زجاجات المياه والألبان والخضروات، ولا يخلو المخيم أيضاً من وسائل الترفيه مثل البلاي ستيشن وأوراق اللعب، وعلى حبال الخيام يتم تجفيف اللحوم في الشمس الحارقة. وبثلاث عصوات مغروسة في الرمال أقام المتظاهرون «مسجداً» للصلاة.في أوقات الذروة يبيت في المخيم نحو ألف رجل من كافة مناطق ولاية تطاوين وجزيرة جربة، لكن الآن مع بداية شهر رمضان، الذي تتكبد فيه العائلات نفقات إضافية كبيرة علاوة على ارتفاع أسعار المواد الغذائية، سافر الكثير من المحتجين إلى عائلاتهم لفترة قصيرة.يقول المهندس لبان: «لكننا سنبقى هنا حتى نحصل على عمل.. ربما تكون هذه بداية ثورة جديدة»، مردداً الشعار الذي طبعه الشباب على قمصانهم في المخيم قائلاً: «لا تستسلم!».