في سوق النبي يونس الشعبي في مدينة الموصل، تتنقل سيدات بعباءات وحجابات ملونة بين البسطات والمحال التجارية من دون نقابهن الأسود الذي كان مفروضاً عليهن خلال سيطرة تنظيم الإسلامية، والذي حظرته الشرطة العراقية إثر توقيف جهاديين متنكرين بثياب نساء.ومع عودة مظاهر الحياة الطبيعية تدريجياً إلى شرق الموصل بعد طرد تنظيم الدولة الإسلامية منه، حظرت الشرطة العراقية كذلك سير الدراجات النارية والشاحنات الكبيرة بعد السادسة مساءً وشراء شريحة هاتف خلوي من دون مستندات شخصية، في محاولة لمنع تسلل الجهاديين إلى هذه المناطق.
ولم يكتف التنظيم المتطرف خلال وجوده في المنطقة بفرض ارتداء النقاب على النساء خارج منازلهن، بل أجبر أصحاب المحال على عرض الألبسة الشرعية.ويقول أبو مصعب (50 عاماً)، صاحب محل ثياب في السوق، «لم يعد أحد يسأل عن النقاب نهائياً، معظم الناس يسألون عن ألوان جذابة، ألوان صارخة.. لم نعد حتى نشتري النقاب والخمار».ويشير بيده إلى عنصري شرطة يقفان على الرصيف المواجه لمحله، موضحاً «هما موجودان دائماً هنا وحين يريان نساء يرتدين الخمار يطلبان منهن بأسلوب طيب نزعه باعتبار أننا تأذينا منه كثيراً».ويتابع «يتعاون الناس معهما».وإجمالاً، ترتدي العراقيات العباءات التقليدية ويغطين شعرهن، إلا أن الخمار والنقاب انتشرا مع تصاعد نفوذ التنظيم في البلاد التي احتل مساحات واسعة منها في 2014، وبدأت القوات العراقية هجوماً قبل سبعة أشهر على الموصل التي استعادت الجزء الأكبر منها.ويشهد السوق ازدحاماً قبل ساعات من موعد الإفطار في شهر رمضان، نساء وأطفال يتنقلون بحرية، ويتجول بينهم عناصر من الشرطة.وتقول أم علي (45 عاماً) بعد توقفها أمام واجهة متجر يعرض عباءات مزركشة، «خلال وجود الدواعش، لم نكن نجرؤ على المجيء إلى هذا السوق بلا خمار وقفازات وجوارب سوداء».وتتابع السيدة الممشوقة القامة والقوية البنية «كنت أرى الدنيا من خلف قماش أسود، كما لو أنها ظلام، لكن ما أن خرجوا حتى تخلصت من النقاب، الحمدلله والشكر كما أن الشرطة منعت ارتداءه».ويقول أبو مصعب فيما تتوافد السيدات تباعاً إلى محله «أعدت المانيكان واهتممت بالمحل وأعدت تأهيله كما لو أننا انتقلنا إلى بيت جديد، عدنا إلى ما قبل أيام داعش».
إجراءات
وجاء منع النقاب ضمن سلسلة إجراءات اتخذتها قيادة شرطة نينوى، وفق ما يقول ضابط عمليات شرطة نينوى العقيد طلال عبدالله لفرانس برس.ويوضح أن مرد قرار منع ارتداء النقاب هو أن «داعش يستغل ويلبس زي النساء ليتجول في الأسواق المحلية»، لافتاً إلى توقيف عدد من الجهاديين المتخفين بالنقاب خلال الأسابيع الأخيرة.وتشمل الإجراءات المتخذة، وفق عبدالله، «الانتشار الأمني الواسع في جميع أنحاء المدينة» و«التدقيق في هويات المارة، وتفعيل دور المخاتير» الذين بات يتوجب عليهم الحصول على «معلومات عن كل المقيمين في مناطقهم».ويشدد المسؤول الأمني على أن الإجراءات تهدف إلى «أن نقلل أو نمنع الدواعش من أي تسلل أو أي إجراء»، مشيراً إلى أن هذه الاجراءات تحفظ «الأمن في المدينة في الوقت الحاضر».ويقول عبدالله «حين يتم استكمال تحرير كامل المدينة، يعود المواطن حراً في تصرفاته وفي دخوله وخروجه».الدراجات النارية
وبين الإجراءات الرئيسية المتخذة أيضاً منع الدراجات النارية من السير في الأسواق المحلية بعد الساعة السادسة مساءً.ويسري قرار المنع على الشاحنات الكبيرة إذ «يمكن أن تؤدي إلى كوارث كبيرة» في حال تم تفخيخها.وسبق لتنظيم الدولة الإسلامية أن نفذ اعتداءات بدراجات وشاحنات مفخخة، كان أكثرها دموية في شهر رمضان العام الماضي حين استهدفت شاحنة مفخخة مجمعين تجاريين في حي الكرادة وسط بغداد، متسببة بمقتل أكثر من 320 شخصاً.وبعدما كانت عملية شراء شريحة للهاتف النقال متاحة من دون إبراز أي مستندات شخصية، منعت الشرطة أصحاب محال الهواتف من بيعها إلا في حال توفر شروط معينة.ويقول ياسر خليل (50 عاماً) بعد تأكده من بطاقة هوية أحد زبائنه الراغبين بشراء شريحة هاتف نقال «نتبع حالياً التفعيل الإلكتروني، بمعنى أن أي شارٍ يجب أن يحضر شخصياً ونلتقط له صورة ونأخذ بصمته الإلكترونية».ويقول «بعد خروج داعش، فرضت الشرطة هذه الإجراءات وهي قانونية وصحيحة».عند مدخل السوق، يركن علي محمود (22 عاماً) دراجته النارية قبل أن يدخل إلى متجر للهاتف الخلوي.ويقول «أحتاج الى الدراجة أحياناً بعد الساعة السادسة، ولكن لا يمكنني استخدامها مساءً»، مضيفاً «يخافون أن يدخل أحدهم إلى السوق ويفجر نفسه».وفي وقت يمتنع عدد من المواطنين عن إبداء رأيهم بالإجراءات، يقول عبدالله قبل تعميمه أوامر عبر جهاز لاسلكي على قطعات الشرطة المنتشرة في المدينة «صحيح أن هذه الاجراءات تحد من حرية المواطن لكن أمان المواطن في الوقت الحاضر أكثر أهمية من حريته».