الصحابة الرواة : أبو أمامة الباهلي... سقاه ربه وأطعمه
اسمه: صُدَي (بالتصغير) بن عجلان بن الحارث، غلبت عليه كنيته أبو أمامة الباهلي، واشتهر بها، بايع النبي في بيعة الرضوان، وظل أبوأمامة ملازماً النبي في جميع غزواته، لا يتخلف عن غزوة، ولا يتقاعس عن جهاد، وشارك رضي الله عنه في جميع الحروب مع خلفاء الرسول رضوان الله عليهم.بعثه رسول الله إلى قومه باهلة يدعوهم إلى الله عز وجل، ويعرض عليهم شرائع الإسلام، فرفضوا منه وكان له معهم قصة عجيبة، قال: جعلت أدعوهم إلى الإسلام ويأبون علي، فلما أطال الحديث معهم، ويئس منهم، قال لهم: ويحكم اسقوني شربة من ماء فإني شديد العطش، قالوا: لا ولكن ندعك حتى تموت عطشاً، وكان عليه عباءة، يقول: فاغتممت وضربت برأسي في العباءة، ونمت في الرمضاء في حر شديد، قال: فأتاني آت في منامي بقدح زجاج لم ير الناس أحسن منه، وفيه شراب لم ير الناس شرابا ألذ منه، فأمكنني منها فشربتها، فحيث فرغت من شرابي استيقظت، يقول: وقد عظم بطني، فلما رأه القوم قد استيقظ قال رجل منهم: أتاكم رجل من خياركم وأشرافكم فرددتموه، اذهبوا إليه فأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي، يقول: فأتوني بطعام، قال: لا حاجة لي في طعامكم وشرابكم، فإن الله قد أطعمني وسقاني، فانظروا إلى حالتي التي أنا عليها، ثم أظهر لهم بطنه، فلما رأوها مملوءة، وليس به عطش ولا جوع، قالوا له: ماذا حدث يا أبا أمامة، فحكى لهم ما رأه في منامه، فأسلموا جميعاً، يقول: فآمنوا بي وبما جئتهم من عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم، وفاز أبو أمامة بشربة يقول عنها: فلا والله ما عطشت ولا غرثت (جعت) بعد تلك الشربة.
صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع منه، وروى عنه علماً كثيراً، فكان من المكثرين في الرواية، وأكثر حديثه عند الشاميين، وفي كتابه "أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد" وضعه ابن حزم الأندلسي برقم السابع عشر في المكثرين من أصحاب المئتين، وذكر أن له مئتين وخمسين حديثاً، روى عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وروى عن عمر بن الخطاب (في الترمذي وابن ماجة)، وعن عثمان بن عفان، وعن علي بن أبي طالب، وعن أبي عبيدة بن الجراح، وعن معاذ بن جبل، وعن عمار بن ياسر، وعن عبادة بن الصامت (في الترمذي والنسائي وابن ماجة)، وروى عن عمرو بن عبسة (في مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي)، كما روى عن أبي الدرداء، وروى عنه خلق كثيرون.عُمِر أبو أمامة طويلاً وسكن مصر، ثم انتقل منها إلى حمص في الشام، فنزل بها، وظل حريصاً على أن يبلغ ما معه من علم كثير عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لمن أدركه من المسلمين، ويروي سُلَيم بن عامر فيقول: "كنا نجلس إلى أبي أمامة، فيُحدثنا كثيراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول :"اعقِلوا، وبَلغوا عنا ما تسمعون"، وظل يوصي المسلمين فيقول: "حببوا الله إلى الناس، يُحْبِبْكُم الله".مات أبو أمامة الباهلي سنة ست وثمانين، وقيل: سنة إحدى وثمانين، وأخرج البخاري في تاريخه من طريق حميد بن ربيعة: رأيت أبا أمامة خرج من عند الوليد بن عبدالملك في ولايته سنة ست وثمانين، وقال ابن عيينة: هو آخر من مات من الصحابة بالشام.