«أمةٌ»... أصبحت أمماً!
ربما يَسرُّ البعض أن أمتنا، الأمة العربية، ينشغل بها العالم كله، وأنها، بالإضافة إلى حروبها مع نفسها وما أكثرها، تشتبك أيضا مع بعض "الأشقاء" من دول الجوار... أي مع إيران ومع تركيا وبالطبع مع "عدوها" إسرائيل التي لا هي تقبل جوارنا ولا نحن نقبل جوارها، وأيضاً مع بعض الدول الإفريقية الإسلامية التي كان الإسلام قد وصل إليها لا بالسيف والرمح بل بالكلمة الطيبة وبسماحة هذا الدين الحنيف الذي إن كان يحق لنا أن نفتخر بشيء فإننا نفتخر بأن الذي جاء به من عند العلي القدير هو النبي العربي محمد، صلوات الله وسلامه عليه. المفترض أن تكون هذه "الأمم" أمة واحدة وكل هذه الدول التي "يتسلى" بعضها بافتعال اشتباك مع أي دولة شقيقة، إن لم يكن عسكرياً فكلاميٌّ وإعلامي، فالمهم أن يكون هناك اشتباك، وأن تكون هناك حرب أو حروب، والمهم أن تكون مصانع الأسلحة والذخائر الغربية والشرقية تعمل ليلاً ونهاراً... وأن نبقى نقول لها هل من مزيد، وحتى لو تحولت دولنا إلى مستودعات كبيرة للدبابات والمدافع والصواريخ والطائرات الحربية... وهنا فالمهم هو الطائرات الحربية!
لقد رفع العراق، القطر العربي العراقي، ذات يوم غير بعيد شعار "أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة"، وكانت الترجمة العملية والفعلية لهذه الرسالة الخالدة هي غزو الكويت واحتلالها، وما لبثت بلاد الرافدين العظيمة أن تحولت إلى ما هي عليه الآن من حروب داخلية ومن اقتتال بين الشقيق وشقيقه والأخ وأخيه... والمهم هو أن يستمر هذه الاقتتال وأن يبقى قاسم سليماني ينتقل من مكان إلى مكان آخر... ومن حدود إلى حدود أخرى ومن "ميليشيات" طائفية إلى "ميليشيات" مذهبية. ولقد رفع "القطر العربي السوري" هذا الشعار نفسه شعار "أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة"، وها هي سورية تتمزق طائفياً وتصبح خاضعة لكل من لديه، لا أقول رغبة وإنما هواية الاحتلال... وأصبح هناك "الفاطميون" و"الإسماعيليون" و"القرامطة" و"الحشاشون" وأصبح هناك حسن الصباح الحميري و"عصائب أهل الحق"! وقيس الخزعلي، وبالطبع... بالطبع الحشد الشعبي وهادي العامري، وفي اليمن "السعيد" الحوثيون وحركة الأنصار وعبدالملك بدر الدين الحوثي، وأيضاً أصبحت هناك في هذا الوطن الكبير أحزاب الله، والعياذ بالله، وأستغفره وأتوب إليه، المنتشرة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، والتي ويا لَلعيب تمارس "الجهاد" بالذبح على الهوية الطائفية! "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"... وهكذا فإننا بانتظار أن تزول هذه "الغمة" غير الطارئة، والتي هي عربية قبل أن تكون خليجية... والتي باتت تتحول إلى دولية أيضاً، حيث تزايدت أعداد "سعاة الخير" من غير العرب الذين يسعى كل منهم، في حقيقة الأمر، من أجل نفسه.