طقوس
ما أجمل السؤال الصادق عن الحال الذي يمكنك استشعار شفافيته، وما أجمل التجهيزات الرمضانية العفوية التي تجمع العائلة بكل بساطة. نعم، نفرح ونستمتع بالجميل من الملبس والمأكل، دون أن نحيله إلى مسابقة استهلاكية.
أيام قليلة وينتهي شهر رمضان الفضيل، ذلك الشهر الكريم الذي بدأت ألحظ تحول طقوسه شيئاً فشيئاً من البساطة والدفء والروحانية إلى التكلف والمبالغة، مصحوبة بذوبان الكثير من الأدبيات الحميدة مع كل أسف. تغير الكثير فالزيارات في أوقات متأخرة من الليل دون استئذان، والشعور بالأحقية في طرح أسئلة شخصية ومتطفلة لأشخاص لم يرهم الزائر طيلة عام على أقل تقدير، كلها أمور غير محببة تترك في النفوس انطباعاً سيئاً، وتخلق المزيد من المسافات والحوائط بدلاً من إذابتها. أيضاً فإن المبالغة في اختيار الباهظ من الملابس والأطعمة والتجهيزات يحول دفء الزيارات إلى مقارنة باردة وثقل اجتماعي قد لا يقدر الجميع على تحمله.
وكذلك الحال مع "القرقيعان"، الذي تحول من مناسبة تقليدية لطيفة تسعد الأطفال والكبار معاً إلى سبب للتبذير والتفاخر الزائف، إذ يذهب الأطفال مع الخادمة الآسيوية لجمع الحلويات مقتحمين أبواب الجيران دون طرقها في الكثير من الأحيان! أدبيات بدهية وأساسية يدل غيابها على إهمال كبير، وتركيز في غير محله على شراء أصناف الحلوى الأغلى ثمناً، فهل هذه هي أولوياتنا؟ وفي زمن الهاتف الذكي، أصبح "بروتوكول" التراسل وأوقات التواصل المناسبة أموراً ضبابية للكثيرين، لكن يمكننا القول إن كون الشخص "متوافراً" على الشبكة الإلكترونية لا يعني بالضرورة استعداده للتواصل بعد منتصف الليل أو فجراً، فيجب مراعاة طبيعة هذه الأوقات الروحانية الخاصة. يبدو أن الحل الأفضل هو عدم إظهار حالة الاتصال، أو تأجيل التصفح إلى الغد إن لم يكن للضرورة. ما أجمل السؤال الصادق عن الحال الذي يمكنك استشعار شفافيته، وما أجمل التجهيزات الرمضانية العفوية التي تجمع العائلة بكل بساطة. نعم، نفرح ونستمتع بالجميل من الملبس والمأكل، دون أن نحيله إلى مسابقة استهلاكية، لنتبرع بالفائض من الطعام والأموال في ما تبقى من شهر العطاء، لنجعل رمضان أجمل وأصدق، ولنعد إحياء تلك الصبغة الروحانية الحميمة إلى أيامها.