التعافي الاقتصادي لم يرفع أجور العمال في أوروبا
تظل معدلات البطالة في منطقة اليورو أعلى مما هي في اليابان، كما أن أجور العمال فيها سوف تحتاج إلى وقت للتعافي، ولكنها سوف تتحسن في نهاية المطاف، ويتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يراقب وضع الأجور عن كثب، من دون حاجة إلى اتخاذ إجراء قبل ارتفاعها مجدداً.
تتسارع وتيرة التعافي الاقتصادي في منطقة اليورو بشكل ملحوظ في مختلف الأوساط والميادين، ولكن لا توجد مؤشرات على أن موجة النشاط هذه قد أعطت العمال الأوروبيين الزيادة في الأجور التي كانوا ينتظرونها منذ زمن طويل، وعلى سبيل المثال فقد ارتفعت الأجور بنسبة 1.6 في المئة فقط في نهاية السنة الماضية، وتعتبر هذه الزيادة أقل كثيراً من المعدل التاريخي البالغ 2.1 في المئة. ويمكن أن نطلق على هذا الحال سمة الأحجية المتعلقة بنمو الأجور.وتجدر الاشارة الى أن هذه الأحجية المحيرة تشكل عنصراً مهماً لدى الجهات التي تحدد معدلات الفائدة في البنك المركزي الأوروبي وكان البنك عمد في الأسبوع الماضي الى تحديث توقعاته بالنسبة الى منطقة اليورو ولكنه خفض توقعاته المتعلقة بمعدل التضخم، ويرجع سبب ذلك الى هبوط أسعار الطاقة من جديد، وفي غضون ذلك تظل معدلات التضخم متدنية ومستقرة، وحتى تتعافى معدلات زيادة الأجور سوف يكون من الصعب بالنسبة الى البنك المركزي الأوروبي تحقيق هدفه المعلن بالوصول الى أقل من 2 في المئة. من جهة اخرى، توجد عدة قوى تساعد على توضيح سبب استمرار تجاهل أرباب العمل في منطقة اليورو لموضوع زيادة أجور العمال، وهو ما لاحظه رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي في الأسبوع الماضي، إذ يقول أحد المطلعين إن تسارع نمو الأجور مع استمرار التعافي الاقتصادي يعني أن على البنك المركزي الأوروبي التقدم بسرعة فقط وانتظار حدوث زيادة في الأجر ومعدل التضخم، ولكن في حال توافر أشياء هيكلية بقدر أكبر فإن الأجور سوف تكون على درجة ضئيلة من التوجيه بالنسبة الى اتجاه المستقبل المتعلق بالسياسة النقدية، ويبدو أن هذا التفسير أكثر اقناعاً في هذه الحالة.
والسبب الأكثر جلاء حول البطء الذي تشهده زيادة الأجور في منطقة اليورو يتمثل في أن أمام التعافي الاقتصادي هناك الكثير مما يتعين القيام به، فعلى سبيل المثال فإن معدلات البطالة على الرغم من هبوطها تظل بشكل متوسط عند 9.3 في المئة في منطقة اليورو وهي نسبة أعلى كثيراً من تلك التي كانت عليها في الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية، ومن جهة اخرى فقد أشار البنك المركزي الأوروبي أيضاً الى أن هذا المؤشر قد يقلل من حجم المحنة الحقيقية للبطالة، ويقول إن الاجراءات البديلة للتباطؤ في سوق العمل تظهر أن ما بين 15 الى 18 في المئة من قوة العمل إما عاطلة عن العمل أو أنها ترغب في العمل ساعات اضافية، وهنا يبرز السؤال الذي يقول: لماذا يريد أرباب العمل دفع زيادة أجور سخية اذا كانوا يعلمون أن في وسعهم الاختيار من قوة عمل متوافرة بكثرة؟تأثيرات البطالةوتجدر الاشارة الى أن تأثيرات البطالة على الأجور تنطوي على أهمية مهما كانت عميقة ومؤثرة، وقد يكون الركود الاقتصادي أخرج شريحة من العمال من سوق العمل، وهو تأثير يصفه خبراء الاقتصاد بالتخلفية، وعلى الرغم من ذلك، وحتى في حال وجود عدد أقل من العمال يتنافسون على عدد محدد من الوظائف فإن علينا أن نتوقع حدوث ردة فعل على صعيد الأجور، والأكثر من ذلك ربما هو وجود درجة ضئيلة من تلك التخلفية في منطقة اليورو، وفي خطاب له الشهر الماضي أظهر بينوت كوير وهو عضو في المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي أن المشاركة تزداد ضمن كل الفئات العمرية، مضيفاً أن "العمال ظلوا بصورة عامة مرتبطين بسوق العمل". التفسير الثاني الذي قد يسهم في توضيح سبب تخلف التغير في الرواتب عن النمو يتعلق بطبيعة المساومة التي تجري بشأن الأجور، ويسعى العمال إلى الحصول على زيادة في الأجر تعوضهم على الأقل عن الارتفاع في معدل التضخم، وقد ارتفعت الأسعار في منطقة اليورو بصورة بطيئة جداً خلال العامين الماضيين، ومن هذا المنطلق فإن أي اتفاق تم التفاوض حوله خلال تلك الفترة قد لا يفضي على الأرجح الى تحقيق زيادة كبيرة في الأجور، ومن جديد نقول إن استمرار موجة التعافي الاقتصادي يعني أن في وسع العمال الدفع نحو تحقيق تسوية أعلى وأفضل ومن شأن ذلك أن يسرع في ارتفاع معدل التضخم.عوامل هيكلية أخرىومن المحتمل أيضاً أن التباطؤ في زيادة الأجور يرجع الى مزيج من عوامل الهيكلة والدورة الاقتصادية، ولنأخذ على سبيل المثال الاصلاحات التي شهدها سوق العمل التي تم اقرارها في العديد من الدول – بما فيها اسبانيا وايطاليا – منذ الأزمة المالية العالمية. ويذكر في هذا الصدد أن تخفيف قوانين التوظيف وانهاء الخدمات التي قامت بها الدولتان الى حد ما سوف تضعف الأجور بشكل مبدئي. وعلى أي حال، هذه التأثيرات ليست دائمة لأنه مع حصول التعافي الاقتصادي على درجة من الزخم فإن مرونة سوق العمل يجب من الوجهة النظرية على الأقل أن تفضي الى المزيد من الاستثمارات، ثم إن نمو الانتاجية التي كانت ضعيفة في منطقة اليورو يمكن أن تتسارع وأن تمكن العمال من الحصول على أجور أعلى.والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل سوف تستمر زيادة الأجور بطيئة بشكل دائم؟ والجواب هو أن ذلك يتطلب البعض من التغيرات الأساسية في طريقة عمل الاقتصاد الأوروبي، وعلى سبيل المثال فإن التقدم في ميدان التقنية أو العولمة يجب أن يؤدي الى خفض دائم في قوة المساومة من جانب العمال وأن ينطوي على تحول جوهري في حصة الدخل الموجه الى رأس المال، والبديل في هذه الحالة هو استمرار المعدلات التي شهدناها خلال العقدين الماضيين. ومن السهل أن يشعر المرء بقدر من الشاؤم بعد الأزمة الطويلة التي شهدتها منطقة اليورو، كما أن الغياب اللافت لنمو مستدام للأجور في معظم دول العالم الغني يشير أيضاً الى وجود شيء أكثر عمقاً في الاقتصاد العالمي. وعلى أي حال، تعتبر أوروبا المنطقة التي يصعب فيها استبعاد تفسير تداعيات دورة الاقتصاد، وبعد كل شيء فإن أوروبا في مرحلة مبكرة بقدر يفوق الولايات المتحدة في هذا الشأن، وتظل معدلات البطالة فيها أعلى مما هي في اليابان، كما أن الأجور سوف تحتاج الى وقت للتعافي، ولكنها سوف تتحسن في نهاية المطاف، ويتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يراقب وضع الأجور عن كثب ولكن لا توجد حاجة الى اتخاذ اجراء ما قبل أن ترتفع من جديد.
لا مؤشرات على أن موجة التعافي في اقتصاد «اليورو» أعطت العمال الأوروبيين زيادة الأجور التي كانوا ينتظرونها منذ زمن