عبد الفتاح القصري... حزين أضحك الملايين الصيت ولا الغنى (2 - 11)

نشر في 17-06-2017
آخر تحديث 17-06-2017 | 00:03
لم يرد والد عبد الفتاح أن ينشأ ابنه نشأته نفسها، أراد له أن يتعلم مثل أولاد الطبقة الراقية، التي يتعامل معها من خلال عمله في صياغة الذهب، فلم تكن ثمة مشكلة في المال، لكن المشكلة الحقيقية لديه، أنه يريد أن يخرج أبناؤه في مستوى اجتماعي غير الذي نشأ فيه، لذا لم يكن راضياً عما يقوم به والده من اصطحاب الابن الأكبر عبد الفتاح معه، في كل مكان يذهب إليه، حيث يجالس «المعلمين» والتجار وأولاد البلد، رغبة منه في أن يخلفه في مهنته ومهنة والده في صياغة الذهب.
كلما فصّل الجدّ جلباباً جديداً له، فصل جلباباً بالشكل نفسه لحفيده عبدالفتاح، حتى اعتاد الصغير ارتداء الملابس «البلدي»، ولم يقبل ارتداء «البنطال والقميص» مثل شقيقه الأصغر محمد، أو بقية أقرانه في الحي، فضلا عن أن جلساته بين أولاد البلد والتجار جعلته يتحدث ويتصرف، بل ويمشي بأسلوبهم نفسه، حتى كان اليوم الذي جلس فيه والده، طلباً للراحة بعد عودته من «المحل»، وفيما هو في حجرته وصل إلى سمعه صوت الطفل عبدالفتاح، وهو يردد:

* كريم أم عطية 

يخلي البشرة مندية 

كأنك لسه مستحمية

كريم أم عطية 

يخلي العجوزة صبية

والفلاحة بندرية

ما إن انتهى عبدالفتاح من غناء المنولوج، حتى صعق والده مما سمعه من طفل لم يتجاوز عمره ثماني سنوات، وهو يلقي هذا المونولوج الذي يردده أحد الباعة الجائلين، وهو يقلده في حركاته وسكناته ووقفاته، وليس ترداد بعض كلمات لا يفهم معناها فحسب، فاعتدل والده وانتفض من جلسته، وخرج مسرعاً من غرفته وأمسك به، وقبل أن يهم بتعنيفه على ما كان يردده، فوجئ بوالده أمامه، يحذره من الاقتراب من حفيده، بل ويشجع عبدالفتاح على ما قاله:

= أيه الكلام اللي بتقوله ده يا واد يا عبفتاح

* بأقول زي عم إسماعيل بتاع البودرة ما كان بيقول

= وهو كل حاجة تسمعها في الشارع تقولها

* أصل.. أصل

- سيب الواد يا فؤاد.. مالكش دعوة بيه

= أيوا يابا أنت ماسمعتش الواد بيقول أيه؟

- سمعته.. والله براوة عليك يا عبفتاح

= براوة عليه إزاي بس يابا.. الواد بيكبر وبقى الكلام بتاع الشارع ده على لسانه

- وماله والله باين عليه المعلمة من صغره..

= أيوا بس الناس تقول أيه؟

- هايقولوا معلم ابن معلم.. وجده معلم.. عارف مافيش حد في الجمالية كلها إلا وقاللي الواد ده يشبهني الخالق الناطق.. سبحان الله.. حتى الحول اللي في عنيه زيي بالظبط.. علشان كده أنا سايبه يدردح ويتعلم

= لكن أنا كان نفسي يتعلم بجد زي ولاد الأصول

- اخس عليك وعلى تجرمتك.. وهو إحنا مش ولاد أصول؟

= مش قصدي والله يابا.. أنا بس قصدي أنه يتعلم في المدارس زي ولاد الذوات

- وماله.. وهم ولاد الذوات أحسن منه.. من بكره نشوف أحسن مدرسة في المحروسة كلها.. حتى لو هأدفعله 100 جنيه.

ابن عز

بحث الجد عن أفضل مدرسة يمكن أن يلحق بها حفيده، مهما كان حجم مصروفاتها، غير أنه لم يجد أفضل من مدرسة الزعماء وأبناء الأسرة العلوية الحاكمة، مدرسة «الفرير» التي تقع في 1 شارع «الشعراني البراني» مع تقاطع شارع «الخرنفش» في حي الجمالية بالقاهرة، بجوار «دار الكسوة» التي تصنع «كسوة الكعبة المشرفة»، وجاءت بعد إنشاء الإرسالية الفرنسية أول ثلاث مدارس كاثوليكية في مصر، هي مدرسة الراعي الصالح «بون باستور» للبنات سنة 1845 في شارع «الموسكي» بمنطقة «درب البرابرة»، ومدرسة «فيان الإحسان»، ومدرسة «العازريين» 1846، وفي نهاية عهد عباس باشا الأول، قرر الآباء الفرنسيسكان، وضع حجر الأساس لبناء مدرسة «كلية سانت كاترين»، وفي 15 فبراير 1854، افتتحوا أول مدرسة بالقاهرة، وجعلوها قسمين، كمدرسة الإسكندرية، قسم يدفع تلاميذه مصروفات دراسية وآخر يتعلم تلاميذه بالمجان، وحملت المدرسة اسم كلية «سان جوزيف»، أو «القديس يوسف».

أظهر «رهبان الفرير» إخلاصاً في عملهم، ونشاطاً أكسبهم محبة أهل القاهرة، ما جعل لمدرستهم المكانة الأولى بين المدارس الأوروبية بمصر، حتى أن الخديو إسماعيل أرسل 12 من شباب الأسرة العلوية، عام 1864، لتلقي العلم في مدرسة القديس يوسف «بالخرنفش» بهدف إعدادهم لشغل وظائف رئيسة في الدولة. في سنة 1872 كان في مدرسة الفرير 155 تلميذاً بقسم المصروفات و50 تلميذا بالقسم المجاني.

كان الإقبال على مدارس الفرير من الكثرة لدرجة أنها لم تكن تمنح المجانية إلا للتلاميذ الذين ينتمون إلى الكاثوليكية، ليدرس ويتخرج فيها عدد كبير من أصحاب المراكز الرفيعة، كان من بين خريجيها: إسماعيل باشا صدقي، مصطفى باشا فهمي، عدلي باشا يكن، الزعيمان مصطفى كامل وسعد زغلول، وغيرهم كثر من أبناء الطبقة الأرستقراطية وبعض أبناء الطبقة الوسطى.

تم قبول عبدالفتاح في قسم المصروفات، ولم تمر أشهر، حتى قدم جده تبرعاً كبيراً للمدرسة، بعدما أبدت إدارتها رغبتها في عدم استمرار عبدالفتاح فيها، بسبب تأخره الدائم في الحضور إلى المدرسة صباحاً، إذ كان أقصى ما يعانيه، الاستيقاظ مبكراً للذهاب إلى المدرسة، لا سيما أنه لا ينام مبكراً مثل بقية أخوته وأقرانه، لحبه الشديد للسهر ليلا، رغم ذكائه وبراعته في حفظ ما يسمع من دروس في المدرسة، من دون أن يرجع إليها مرة أخرى، ما أوقع أساتذته في حيرة، فهو يجيب عن أي سؤال يوجه إليه، غير أنه لا ينفذ الواجبات المنزلية، فضلا عن أنه تركيبة اجتماعية مختلفة عن كل الموجودين، بحسب إدارة المدرسة، تركيبة مختلطة غير واضحة المعالم، فهو محسوب على أبناء الطبقة الراقية، لما يبدو عليه من مظاهر ثراء، في الملبس والمأكل وعربة «سوارس» تأتي به إلى المدرسة، وفي نهاية اليوم الدراسي تأخذه إلى البيت، ويرافقه في رحلة الذهاب والإياب، خادم خاص به، يحمل حقيبته، ويرافقه في تحركاته إلى أي مكان.

يمكن حساب عبدالفتاح على طبقة الشعبيين وأولاد البلد، رغم الثراء الواضح، نظراً إلى أسلوبه في التعامل، والحديث مع أساتذته وزملائه، وعدم اهتمامه بما يتعلّم، حتى عندما سأله أحد أساتذته «مسيو أنطون» مثلما سأل بقية التلاميذ، عن المهنة التي يحب أن يمتهنها بعد انتهاء دراسته، كانت إجابة عبدالفتاح غير متوقعة، وثلت نغمة «نشاز» وسط هذا التناغم من التلاميذ الموجودين في المدرسة:

* عايز أبقى معلم صاحب قهوة في الجمالية.

عدم رغبته في متابعة التعليم الذي يشعر بأنه يبعده عن عالمه الخاص الذي يحبه، لم يمنع عبدالفتاح من النجاح كل عام في المدرسة، حتى أصبح في السنة الرابعة، التي وصل إليها على مضض، سواء من ناحيته، أو من ناحية أساتذته وإدارة المدرسة، وكل منهم يريد أن ينفصل عن الآخر، غير أن والده حال دون ذلك، وفي الوقت نفسه كان نجاحه عاماً بعد آخر، يمنع إدارة المدرسة من أن تطالبه بالانتقال إلى مدرسة أخرى.

مهنة الأجداد

لم يكن أسلوب تعامل عبدالفتاح في مدرسته بين أساتذته وزملائه، المشكلة الوحيدة، بل كانت المشكلة الأكبر التي تؤرقه، الاستيقاظ مبكراً للذهاب إلى المدرسة، فهو اعتاد السهر بمفرده كل ليلة، بعيداً عن جده وأصدقائه من أولاد البلد والتجار، ووجد صحبة جديدة له، من نفس عمره، أو يزيدون عنه قليلا، يسهرون كل ليلة في أحد المقاهي القريبة من «المشهد الحسيني»، ما كان يثير غضب والده، ويضطر كل ليلة للبحث عنه في المقاهي المجاورة، ثم يعود لانتظاره خلف باب البيت، حتى يعود، ويوبخه ويجبره على النوم للاستيقاظ مبكراً والذهاب إلى المدرسة، حتى ضج عبدالفتاح بفكرة التعليم والاستيقاظ مبكراً، وقرر أن يحسم هذا الأمر مع والده:

= أنت بتقول أيه يا ولد أنت اتجننت؟

* يابابا أنا مش بتاع مدارس.. أنا نفسي أكون زيك أنت وجدي.. تاجر دهب

= وإحنا كنا بنصرف الفلوس دي كلها اللي بندفعها كل سنة علشان تقوللي أكون زيك أنت وجدي

- سيب عبدالفتاح على راحته يا فؤاد

= على راحته إزاي بس يابا.. ده خلاص المفروض ياخد الشهادة السنة دي.. أنا قلت إنه يدخل «المهندس خانه» يبقى باشمهندس أد الدنيا.. يقوللي أبقى زيك أنت وجدي

- وهو إحنا شوية يا وله.. إحنا أكبر تجار ومعلمين في الجمالية كلها.. دا فتوة الخرفنش بيقوم يقف ساعة مايشوفني

= مش قصدي يابا.. أنت أد الدنيا.. لكن أنا كان نفسي يتعلم العلام حلو برضه

- خلاص ماتغصبش عليه.. عبدالفتاح بقى راجل مش لسه عيل.. من بكره ينزل معاك الدكان.

* وأنا أوعدك يا جدي أتعلم المهنة زي الصاروخ.. في ظرف كام شهر هأكون أحسن صايغ دهب في الصاغة كلها.

حصل عبدالفتاح على تصريح من جده بترك الدراسة، والتفرغ للعمل مع والده في صياغة الذهب، في وقت تابع شقيقاه محمد وبهية تعليمهما، ليخلع عبدالفتاح «القميص والبنطلون» اللذين كان يلبسهما مرغماً بسبب المدرسة، وعاد مجدداً إلى «الجلباب البلدي» وزاد عليهما «الطاقية والعمة واللاسة» ليصبح في هيئة المعلمين والتجار أولاد البلد، وحتى يثبت لوالده حسن اختياره، راح يؤكد جديته والتزامه في العمل بالمحل، بل وأظهر براعة فائقة عندما يدخل إلى المحل عملاء من جاليات أجنبية موجودة في مصر، فيتحدث معهم الفرنسية والإنكليزية بطلاقة، ولا يتركهم يخرجون من المحل قبل شراء ما دخلوا لشرائه، ما أثلج صدر والده، وشعر بأن اختيار ابنه كان صحيحاً، وأسعد الجد سعادة بالغة، وأطمأن إلى أن مهنة آبائه وأجداده لن تضيع، وأن ثمة من سيحافظ على ميراث العائلة، ورغم مرضه الشديد، كان يذهب إلى المحل، ليرى حفيده تاجراً حقيقيا ورجلا يعتمد عليه، لكن ما لبث أن رحل الجد، فحزن عبدالفتاح حزناً شديداً، ولازم حجرة الجد بلا طعام أو شراب أياماً، حتى سقط مغشياً عليه، فنصح الطبيب والده بضرورة الابتعاد عن البيت حتى يسترد عافيته.

عملا بنصيحة الطبيب، عرض والد عبدالفتاح عليه أن يصحبه إلى ضاحية «حلوان» المدينة الصحية ذات العيون الكبريتية والهواء النقي، للاستشفاء وتغيير أجواء الحزن المخيمة في المنزل، ولأن والده لم يستطع غلق المحل عدة أيام، حجز له في أحد الفنادق المطلة على «عين حلوان الكبريتية» للاستشفاء لمدة أسبوع، وتركه عائداً إلى القاهرة.

البداية

بعد انقضاء الأسبوع عاد عبدالفتاح إلى بيته مسترداً عافيته، يتمتع برؤية جديدة مختلفة عن ذي قبل، إذ التقى في الفندق أحد النزلاء وكان ممثلا ثانويا في فرقة «فوزي الجزايرلي المسرحية»:

* اسمك كده.. علي ساطور

= أيوا ده اسم شهرة

* شهرة.. يا حالولي حالولي

= والكريم اسمه أيه؟

* محسوبك عبدالفتاح أفندي فؤاد

= حصلنا الشرف

* بس قوللي يا ساطور أفندي.. أنت مشهور بأيه إن شاء الله

= فنان

* فنان يعني صييت

= صييت.. هو ده فن.. بقولك فنان.. أنت عمرك ما دخلت مرسح ولا شوفت ممثلين بيشخصوا

* لا محصليش الشرف.. أنا أقعد علقهوة.. أسمع الشاعر.. أحضر فرح أسمع الصييته.. لكن تشخيصاً من اللي بالك فيه ده لا

= أتاريك مش عايش يا مسكين.. بس بس.. اقعد دي القعدة هاتحلو.. أمسك تعفر

خلال الأسبوع الذي قضاه مع عبدالفتاح، أطلعه علي ساطور على فن «التشخيص» وكيفية عمل الفرق المسرحية، ودور كل فرد من أفراد الفرقة المسرحية، بداية من عامل رفع الستارة، مروراً بالمؤلف والمخرج، وأدوار الفنانين، ومدير خشبة المسرح، وليس انتهاء بعامل «الكمبوشة» الذي يلقن الممثلين فوق خشبة المسرح.

ولم يكتف «ساطور» بما شرحه لعبدالفتاح بل دعاه لحضور أحد العروض المسرحية لفرقة «فوزي الجزايرلي»، مسرح «الكلوب المصري» بالقرب من ساحة مسجد «الحسين» ليقدم عليه عروض الفرقة، التي أضيف إليها أعضاء جدد، من بينهم ابنة الجزايرلي «إحسان» التي رغم أنها لم تتجاوز سنوات ست، إلا أنه غرس فيها حب الفن، فأصبحت أحد أعضاء الفرقة، واعتبر نجله الأصغر فؤاد الجزايرلي، الذي لم يكمل عامين من عمره، أصغر أعضاء الفرقة، بعدما ولدته أمه فوق خشبة المسرح.

لدى عودته إلى القاهرة، لم ينقطع عبدالفتاح يوماً عن ملازمة «علي ساطور» أحد أعضاء فرقة فوزي الجزايرلي، حتى اكتشف أنه لم يكن من بين أعضاء فريق التمثيل، بل يعمل في الإدارة المسرحية، من متابعة حضور الممثلين مبكراً إلى المسرح، وعدم تأخرهم على موعد رفع الستارة، وترتيب انتقالهم من مكان إلى آخر، عندما تقدم الفرقة عروضها خارج القاهرة. غير أن هذا الاكتشاف لم يغير موقف عبدالفتاح منه، لا سيما أن «ساطور» وعده بأن يضمه إلى فريق التمثيل في الفرقة، بعدما أفصح له عبدالفتاح عن حبه الشديد للتمثيل، ورغبته في أن يكون ممثلا بالفرقة، على أثر متابعته اليومية لعروضها.

غير أن ساطور تعمد عدم تقديمه إلى صاحب الفرقة وبطلها الأول فوزي الجزايرلي، لا لشيء سوى ما يقوم به عبدالفتاح يومياً، فبعد انتهاء العرض يصطحب «علي ساطور» وبعض أعضاء الفرقة لاستكمال السهرة في مقهى «الفيشاوي» وتناول الإفطار معاً، على نفقته الخاصة، وهو أمر لم يعتده «ساطور» وأعضاء الفرقة، حتى من مدير الفرقة نفسه، ولكن عندما ضاق عبدالفتاح ذرعاً وهدد «ساطور» بالبحث عن فرقة أخرى طالما لا فرصة له هنا، قرر «ساطور» تقديمه لفوزي الجزايرلي:

* محسوبك عبدالفتاح أفندي أنعم وأكرم

= وأنعم وأكرم ده اسم والدك

* الله الله.. ولازمته أيه السركيزم ده

= سركيزم لا حلوة دي بتتكلم لغات كمان

* S›il vous plaît ne pas me ridiculiser

(من فضلك لا تسخر منيّ)

= الله الله الله.. حضرتك بتتكلم فرنساوي.. ماتآخذنيش أصل يعني الجلابية والعمة واللاسة خلوا الواحد ........

* قصدك يعني شكلي بلدي.. وماله.. هو فيه أحسن من البلدي ولبس ولاد البلد

= عندك حق.. على كل حال أنت أنست.. بس اعمل حسابك يا عبدالفتاح.. ألا صحيح ماقولتليش اسمك عبدالفتاح أيه؟

* عبدالفتاح فؤاد حافظ محمد عبدالفتاح القصري

= بس بس ياعم.. أيه كل ده.. كفاية عبدالفتاح القصري.. المهم أنا كنت عايز أقولك إن ظروف الفرقة المادية بعافية شوية.. يعني اعمل حسابك مافيش فلوس

* من الناحية دي اطمن.. رقابتي سدادة

= لا ده أنت مُلك أوي

قرر فوزي الجزايرلي ضم عبدالفتاح القصري إلى فرقته وسرعان ما أصبح جزءا من هذا العالم، حتى أنه لم يعد قادرا على مفارقته، لكن لا تأتي الرياح، دائما، بما تشتهي السفن.

فوزي الجزايرلي

فوزي الجزايرلي من أبناء القاهرة، ولد في21 يوليو 1886 في مدينة الإسكندرية، أسس فرقة مسرحية مع زوجته بمشاركة بعض الفنانين السكندريين، والمطربة فاطمة قدري، واستمرت الفرقة في تقديم أعمالها المسرحية في مقهى بين مسجدي البوصيري وأبي العباس في حي الأنفوشي، غير أنه قرر أن ينزح إلى القاهرة، بحثاً عن فرصة أكبر، فاختار مسرح «الكلوب المصري» بالقرب من ساحة مسجد «الحسين» ليقدم عليه عروض الفرقة.

كان دائم البحث عن مواهب حقيقية في المجالات الفنية كافة، لاستمرار الفرقة، وتقديم فنه للجمهور، سواء في التمثيل، عبر الاستعانة بهواة التمثيل، مثل عبد الفتاح، الذي لم يستطع الجزايرلي أن يسند إليه أدواراً واضحة المعالم في البداية، بل قرر ضمه إلى الفرقة، ليشارك في الأدوار الثانوية، الصامتة، أو ينطق بكلمة أو جملة على أفضل تقدير، غير أنه في الوقت نفسه، حرص على أن يلقنه بعض دروس الأداء التمثيلي من حين إلى آخر، حتى أنه خلال أيام، أتقن عبد الفتاح الوقوف على خشبة المسرح، وكيفية الحركة والدخول والخروج، والأهم من ذلك مواجهة الجمهور، غير أنه لم تتح له فرصة الحصول على دور في أي من المسرحيات التي يقدمها الجزايرلي، ورغم ذلك شعر عبد الفتاح القصري بأن أحاسيس جديدة بدأت تتسرب إليه، لتأخذه إلى عالم آخر، عالم له سحره وبريقه ولمعانه.

البقية في الحلقة المقبلة

والد عبدالفتاح سمعه يغني للباعة الجائلين.. فألحقه بمدرسة الفرير

أحد أساتذته سأله عن أمنيته بعد التخرج فقال له: «صاحب مقهى»

عبدالفتاح فاجأ والده بترك الدراسة للعمل معه في صياغة الذهب

مصادفة جمعت القصري بفوزي الجزايرلي ليتعرف للمرة الأولى على المسرح
back to top