أجندات الإعلام المشبوهة
منذ ظهرت وسائل الإعلام المقروءة وبعدها المسموعة ثم المرئية وهي تلعب دوراً رئيسياً في تشكيل الرأي العام في الدول وتوجيه الناس حسب المصالح والأجندات، وإن كان تأثير وسائل الإعلام أصبح أكثر خطورة في العقود الأخيرة مع ظهور الكثير من الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي التي تتناقل الأخبار والأحداث فور وقوعها دون تدقيق أو تَحرٍّ عن صحتها، ويتبارى مستخدمو هذه الوسائل في نشر الآراء والتعليقات التي في الغالب تكون متحيزة وغير موضوعية وتتسبب في أحيان كثيرة في إحداث الفتن والبلبلة والقلاقل في المجتمعات.وقد استطاع الإعلام في السنوات الأخيرة أن يحرض بعض شعوب الوطن العربي على الثورة على حكوماتها، كما أن المتابع للأزمة الخليجية التي نشبت منذ أيام يتبين له الدور الكبير الذي لعبه الإعلام ومازال في إشعالها وتأويل أسبابها، بل إن الإعلام وتحديداً إحدى القنوات الفضائية كانت عاملاً مهماً في نشوب هذا الخلاف لإقحام نفسها في الشؤون الداخلية لدول خليجية وعربية وإصرارها على استضافة عدد من المتطرفين وإطلاق مسميات الثوار والمجاهدين على من يثيرون الفتن ويقودون النزاعات المسلحة في دولهم ودعمهم إعلامياً حيث أصبحت بوقاً لهم تستضيف قياداتهم وتشارك في تدريباتهم المسلحة وتروج لأفكارهم ورسائلهم وتصبغ أخبارها بطريقة تجلب تعاطف الرأي العام معهم بل وتجنيد الشباب في صفوفهم.
والمثير للدهشة والتعجب في الدور الخطير الذي تقوم به وسائل الإعلام، على اختلاف أسمائها في نشر الفتن والفوضى، أن يكون لتنظيم إرهابي مثل "داعش" وكالة أنباء تبث أخباره وجرائمه التي يرتكبها في العديد من الدول العربية والأجنبية، بل إنه يستخدم مختلف وسائل الإعلام في نشر فظائع القتل والحرق والتعذيب التي يرتكبها بحق الأبرياء دون أن نعرف من يمول هذه الأعمال الإعلامية للتنظيم ومن يقوم عليها ومن أين تبث وكيف وفي الوقت ذاته يجد قبولاً لدى بعض ضعاف النفوس الذين يروجون لهذه الأفكار المتطرفة ويعيدون بث أخبار هذا التنظيم المتوحش الذي خرج عن كل القيم والتعاليم الإسلامية والإنسانية. وفي الحقيقة فإن الإعلام يمكن له أن ينقل لنا الحقيقة أو الكذب أو كليهما معاً، وقد يساهم في بناء ثقافاتنا ومعتقداتنا أو يقلبها رأساً على عقب، ويمكن للإعلام أيضاً أن يبني أمتنا أو يهدمها ويعطي لنا حريتنا أو يسلبها لذلك فهو يعتبر وسيلة حساسة وخطيرة جداً، ونحن مطالبون بأن نستخدم عقولنا لأبعد الحدود من أجل استقصاء الحقائق وتحليلها، ولا نصدق أو ننساق وراء كل ما نقرؤه أو نسمعه أو نشاهده، لأن هذه الوسائل في أغلب الأحيان لا تراعي معايير إعلامية مهنية في نقل الحقائق وصياغة المواضيع التي تقدمها، فلا توجد وسيلة إعلامية محايدة حتى لو رفعت شعار "الرأي والرأي الآخر"، فهذا مجرد شعار في حين أنها في الواقع تعمل وفق أجندة خاصة سواء كانت مملوكة لدولة أو لأشخاص ولا تكترث إن تغيرت الحقائق في قضية ما، طالما نجحت في تضليل الرأي العام وتحقيق أهداف من يمولها ويدفع لها.