تعتبر فتوى "عدم جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم" من بين أبرز المفاهيم المغلوطة التي تتناقلها التيارات الدينية المتشددة، والدعوة السلفية والجماعة الإسلامية في مصر من بين تلك التيارات التي أصدرت فتاوى حرمت فيها على المسلمين تهنئة الأقباط بعيدهم، واحتجوا في ذلك (بالآية 72 سورة الفرقان) "وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا".

ولمفتي الديار المصرية الأسبق، نصر فريد واصل فتوى في ذلك الشأن، فيقول إن الآية: "وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ" ورد في تفسيرها عدة آراء "تفسير الطبري" قال: (الزور هو الشرك بالله)، وقال آخرون: الغناء، وقال آخرون: قول الكذب، والأولى في تأويل الآية: والذين لا يشهدون شيئا من الباطل، لا شركًا، ولا غناءً، ولا كذبًا، ولا غيره، وكلَّ ما لزمه اسم الزور، لأن الله عمَّ في وصفه إياهم أنهم لا يشهدون الزور، فلا ينبغي أن يخص من ذلك شيئا إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل.

Ad

والإسلام لم يمنعنا من مجالسة أهل الكتاب ومجادلتهم بالتي هي أحسن، كما أجاز الأكل من طعامهم وشرابهم، وأباح لنا الزواج منهم، والزواج كما هو مقرر شرعاً ما هو إلا مودة ورحمة، ومن غير المعقول أن يتزوج المسلم بامرأة من أهل الكتاب، ويطلب عندها المودة والرحمة، وتهنئه في عيده ولا يرد التهنئة في عيدها، والآية "وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا" (النساء: 86)، لا تفرق بين من يلقي التحية سواء كان مسلما أو غير مسلم، والتهنئة في الأعياد نوع من التحية.

وورد عن النبي أنه وقف أثناء مرور جنازة يهودي، ولما سئل عن ذلك فَقَالَ: "أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟"، كما قبل النبي الهدية من غير المسلمين، وزار مرضاهم، وعاملهم، واستعان بهم في سلمه وحربه، وعلى ذلك: فيجب أن يسود الود والوئام بين المسلمين وغير المسلمين وإن كانوا مختلفين معنا في الدين، "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (البقرة: 256).

وقد أوجب الإسلام على أتباعه إذا عاش بينهم أهل الديانات الأخرى أن يكون لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين من حقوق وواجبات، وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه رأى شيخًا ضريرًا يسأل على باب، فلمَّا علم أنه يهودي، قال له: ما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: اسأل الجزية والحاجة والسن، فأخذ عمر بيده وذهب إلى منزله، فأعطاه ما يكفيه ساعتها، وأرسل إلى خازن بيت المال يقول له: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفنا إن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، إنما الصدقات للفقراء والمساكين، والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه.