احتواء الأزمة الخليجية مبكراً سيقلل تداعياتها المالية والاقتصادية
كل أطرافها يتكبدون خسائر تتفاوت وفقاً لثقل كل طرف وحجم اقتصاده
قال «الشال» إن هناك خسائر تحتاج إلى وقت لقياسها رقمياً، تتمثل بمشروع كل من قطر والإمارات لتصبح مركز سفر أو وصلة أساسية في انتقال المسافرين ما بين الغرب والشرق، لأنهما تملكان ثلاث شركات طيران ضخمة في سوق صعب لصناعة الطيران.
استعرض تقرير الشال الاقتصادي الاسبوعي البعد الاقتصادي لأزمة دول مجلس التعاون الخليجي، وقال انه لا يمكن في هذه المرحلة المبكرة القيام بحصر الخسائر الاقتصادية المحتملة للأزمة، ولكن، من المؤكد إصابة كل أطرافها بخسائر تتفاوت وفقاً لثقل كل طرف وحجم اقتصاده وموقعه الجغرافي، لذلك لابد أن تكون خسائر قطر أعلى من خصومها. ويظل كل ما يذكر مجرد تقديرات أولية، بينما الخسائر الحقيقية سيقررها عمق الأزمة ومداها الزمني وتعامل كل دولة مع تبعاتها، وتبقى تداعياتها وأحزانها الكامنة على المدى البعيد، هي أقسى الخسائر.وأضاف التقرير أن بعض الخسائر المحتملة قابلة للتقدير الرقمي، مثل خسائر البورصة القطرية، منذ 4 يونيو 2017، أي يوم قبل انفجار الأزمة حتى نهاية الأسبوع الفائت، فقد مؤشرها نحو -6.7 في المئة، أي فقد المستثمرون فيها دفترياً نحو 31.9 مليار ريال قطري من ثروتهم، وحدث ذلك رغم ارتفاع مستوى سيولتها بين التاريخين، وفيما يلي التفاصيل: الارتفاع في معدل السيولة لأيام العمل الثمانية ما بعد 5 يونيو، ارتفع بنحو 32 في المئة مقارنة بمعدل سيولة أيام العمل الثمانية التي سبقت يوم 5 يونيو، أي يوم انفجار الأزمة. في المقابل خسر مؤشر السوق السعودي -1.5 في المئة، رغم ارتفاع سيولته، حيث ارتفع متوسط التغير في سيولته بنحو 10 في المئة خلال نفس الفترة.
وخسر سوق البحرين نحو -0.4 في المئة، وانخفض التغير في متوسط سيولته بنحو -43.8 في المئة، بينما كسب سوق دبي نحو 3.5 في المئة، وارتفع التغير في متوسط سيولته بنحو 44.6 في المئة، وكسب سوق أبوظبي نحو 0.4 في المئة، وارتفع التغير في متوسط سيولته نحو 70.3 في المئة. مثال آخر، هو التبادل السلعي -صادرات وواردات السلع- بين قطر وخصومها البالغة في عام 2016 نحو 9.1 مليارات دولار، حيث تستورد قطر ما قيمته 4.6 مليارات دولار، وتصدر ما قيمته 4.5 مليارات دولار، أي أن الفائض البالغ نحو 100 مليون دولار لمصلحة خصوم قطر. ومن أكبر العملاء التجاريين لقطر، دولة الإمارات العربية المتحدة، وتأتي خامسة على مستوى العالم في حجم صادرات قطر إليها وبما قيمته 3.8 مليارات دولار، ونفترض أن معظمها غاز، بينما تأتي ثالثة على مستوى العالم في حجم واردات قطر منها بما قيمته 2.9 مليار دولار. وتأتي السعودية في الترتيب الـ18 في حجم صادرات قطر إليها بما قيمته 520 مليون دولار، بينما تأتي سادسة في حجم واردات قطر منها بما قيمته 1.4 مليار دولار. واحتاج بناء هذه المواقع في التبادل السلعي إلى سنوات طويلة، وتلك المواقع ركن أساسي في بناء علاقة المصالح الأكثر ديمومة بين دول المجلس، لذلك تبدو استعادتها بعد فقدانها أمرا يصعب تعويضه، أو فقدان سنوات من عمر التعاون التجاري الإيجابي.
صناعة الطيران
وتحتاج خسائر أخرى إلى وقت لقياسها رقمياً، تتمثل بمشروع كل من قطر والإمارات لتصبح مركز سفر أو وصلة أساسية في انتقال المسافرين ما بين الغرب والشرق، لأنهما تملكان ثلاث شركات طيران ضخمة في سوق صعب لصناعة الطيران. ومن المؤكد أن خسائر طيران القطرية ستكون أكبر، وهناك من يقدر أنها ستفقد نحو 30 في المئة من عملياتها، وستصبح تكلفة خطوطها الأخرى أطول، أي أغلى كلفة، وستكثر من استعمال المجال الجوي الإيراني، بينما خسائر أدنى، ولكن مؤثرة ستصيب شركتي الطيران الإماراتية. مثلها في قطاع الخدمات، فالحصار المالي هبط بالتصنيف السيادي وتصنيف المصارف القطرية بما يرفع تكلفة الاقتراض عليها وسيفقد القطاع المصرفي القطري أسواقاً مهمة بما يعرضه لضغوط أشد. ولكن، القطاع المصرفي في المنطقة في مجمله يتعرض لضغوط تشغيلية، لذلك ستكون المقاطعة عبئاً مؤثرا على كل قطاعاته ما دامت بيئتها التشغيلية ضعيفة. وهناك أيضاً السياحة البينية بتأثيرها على كل القطاعات الأخرى تجارية وفندقية وغيرها، ومن المرجح أنها ستتوقف بشكل كامل، وفي زمن باتت كل القطاعات تعمل بطاقتها.ولا نعرف مسار الأزمة في المستقبل، ولكن حتماً ستقتطع نفقات إضافية للأمن والعسكرة، كما أنها ستحمل تكاليف لكل أطراف الأزمة لشراء الدعم من هذا الطرف أو ذاك، دول وجماعات، وكلها نفقات تقتطع من إيرادات باتت شحيحة، وكلها ستكون على حساب برامج وجهود الإصلاح المالي والاقتصادي. وستصبح تلك التكاليف أعلى بكثير إن انفرط عقد مجلس التعاون، وأصبحت تحكم مكوناته استقطابات أخرى، ذلك قد يعني انتقال حالة من عدم الاستقرار إلى دوله، ولذلك، وإن كان مستبعداً حالياً، تكاليف مالية واقتصادية إضافية غير محتملة. ولسنا مع أي طرف أو ضد أي طرف، ولكن، من المؤكد أن احتواء الأزمة مبكراً سيقلل كثيراً من تداعياتها المالية والاقتصادية، ذلك لا يلغي ضررها شاملاً السياسي والاجتماعي منه، ولكنه يظل أهون الشرور.
الأزمة ستقتطع نفقات إضافية للأمن والعسكرة ولشراء الدعم من دول وجماعات