في يونيو 2013 التقى المذيع الكندي جيان جوماشي الفنانة وكاتبة الأغاني جوني ميتشل، ومازلت أذكر اللقاء وأعود إليه أحيانا مستمتعا بالفكر الذي تطرحه فنانة كندية شقت طريقها بصعوبة في ضواحي مدينة تورنتو، قبل أن تنتقل إلى أميركا لتحقق نجاحا تستحقه ككاتبة أغان ومطربة وعازفة جيتار. واستحقت أن تلقب بأفضل من يكتب الأغاني في الثلث الأخير من القرن الماضي. كانت الفنانة جوني ميتشل في فنها منسجمة مع وعيها وثقافتها التي طرحتها في ذلك اللقاء.

ثقافة الفنان ووعيه جزء مهم من حياته العامة والخاصة، لا يختلف الفنان في ذلك عن الشاعر أو الروائي الذي يقدم وعيه وثقافته للجمهور في حواراته ولقاءاته الإعلامية. وفي أحيان كثيرة يفشل المبدع في طرح ثقافته العامة لتجده ضحلا مقارنة بعمله المبدع. هذه المفارقة نجدها أيضا حين يحاول الشاعر أو الروائي كتابة بعض التغريدات أو التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي، فنجده شخصا آخر غير الكاتب المبدع الذي عرفناه. لا أتطرق هنا للسلوك الشخصي للكاتب وهو سلوك لا يعنينا كثيرا.

Ad

الشخصية التي سأتحدث عنها تبدو حالة غريبة، لا أعرف كيف يمكن إعادة تركيبها ثقافيا. أرسل لي صديق قبل أيام لقاء مع الفنانة شمس والدكتور صالح الشادي، وهي فنانة موهبتها ضعيفة وصوتها لا يختلف عن كثير من المغنيات الأخريات. ولا نستطيع اليوم أن نفرق بين أصوات المطربات كما كنا نفرق في ذلك الزمان بين وردة ونجاة وشادية.

الحالة الغامضة في شمس هي ثقافتها العامة ووعيها، والذي لا يتناسب مع أدائها الفني. فهي فنانة تجيد الحوار وتستطيع تحديد وجهته نحو أفكارها النسوية التي تؤمن بها ونوافقها عليها. وتمتلك كما من الوعي المعرفي تتمنى لو أنك تستمع لمدافعة عن حقوق المرأة ومطالبة بمزيد من الحقوق ورفع الظلم عن بنات جنسها في الخليج والعالم العربي وليس لمطربة أفضل ما وجدت لها من أغان أغنية بعنوان "اشطح". بعيدا عن فنها تمتلك الفنانة وعيا بماضيها البدوي والفراغ الكبير الذي نشأ بين جيل أجدادها وجيل آبائها وجيلها الحالي، ودور المرأة في الماضي وعلاقتها بالرجل مقارنة باليوم.

تتحدث شمس عن علاقتها بالغذاء مثلا كما يتحدث مفكر وفيلسوف حقيقي وتتكلم في الروحانيات وقراءاتها العميقة منذ الصغر بكثير من الثراء الأدبي. ولكن السؤال الذي يبقى محيرا هو ما جدوى كل هذه الثقافة والوعي العام وتبني قضايا نسوية وعدم توظيفها في عمل فني يستحق الإشادة؟ الفنان الذي يمتلك كل هذا الوعي أو حتى أقل منه يجب أن يعمل جاهدا لتقديم عمل يتناسب مع وعيه الذي يعيشه. الفكر النخبوي الذي يمتلكه الفنان يحتم عليه أن يقدم فنا نخبويا. أما محاولة الانسياق مع التيار الهابط فيجعلنا لا نثق بحقيقة الفكر الذي يطرحه الفنان وكأنه يرينا بضاعة ويبيعنا غيرها.