تعتبر قباب الصالحين من بين أبرز النقاط المستهدفة من قبل التنظيمات المتطرفة، وقد دافع تنظيم "داعش" عن تفجير أضرحة وقباب الأنبياء في مدينة الموصل، معتبرا إياها عملا مشروعا وله أسانيده الشرعية، واحتج التنظيم الإرهابي في بيان يحمل اسم "هدم الأضرحة والقباب" بعدد من الأحاديث النبوية.وفتوى دار الإفتاء المصرية حول ظاهرة هدم المتطرفين للأضرحة من أفضل ما كتب في ذلك الموضوع، فتقول الفتوى، إن الله حرم انتهاك حرمة الأموات، فحرمة المسلم ميتا كحرمته حيّا، أما إذا كان صاحب القبر من الصالحين فإن الاعتداء على قبره أشد حرمة، بدلالة الحديث القدسي: "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ" (رواه البخاري).
أما ما يثار مِن أن الصلاة في المساجد التي بها أضرحة باطلة فقولٌ مبتدَع لا سَنَد له، (الآية 21 سورة الكهف) "فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا"، القول الأول قول المشركين، والثاني قول الموحّدين، وحكى الله القولين من دون إنكار، وسياق قول الموحدين يفيد المدح، بدليل المقابلة بينه وبين قول المشركين، وقال الإمام الرازي في تفسيره: "لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا" (الكهف: 21): [نعبد الله فيه، ونستبقي آثار أصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد]، وقال الشهاب الخفاجي في "حاشيته على تفسير البيضاوي": (في هذا دليل على اتخاذ المساجد على قبور الصالحين).وفي السُّنّة حديث أبي بصير رضي الله عنه، الذي رواه عبدالرزاق عن مَعمَر: أن أبا جَندَلِ بن سُهَيل بن عمرو دفن أبا بَصِير لَمّا مات وبنى على قبره مسجدًا "بسِيف البحر"، وذلك بمحضر ثلاثمائة من الصحابة"، والحديث إسناده صحيح، كله أئمة ثقات، ومثل هذا الفعل لا يخفى على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فلم يَرِد أنه، صلى الله عليه وسلم، أمر بإخراج القبر من المسجد أو نبشه.كما ثبت عن النبي أنه قال: "في مسجد الخَيفِ قَبرُ سبعين نبيّا"، أخرجه البزار والطبراني في المعجم الكبير، وقال الحافظ بن حجر في "مختصر زوائد البزار": إسناده صحيح. أما فعل الصحابة: فذكر الإمام مالك في "الموطأ" اختلاف الصحابة في مكان دفن النبي، صلى الله عليه وسلم: (فقال ناس: يُدفَن عندَ المِنبَرِ...)، والمنبر من المسجد، ولم ينكر أحد من الصحابة هذا الاقتراح، وإنما عدل عنه أبوبكر تطبيقا لأمر النبي أن يُدفَن حيث قُبِضَت روحه فدُفِن في حجرة السيدة عائشة المتصلة بالمسجد.وأما زعم الخصوصية في ذلك للنبي، صلى الله عليه وسلم، فغير صحيح، ولا دليل عليه، وأبطله دَفنِ سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر في حجرة السيدة عائشة التي كانت تعيش فيها وتصلّي فيها صلواتها المفروضة والمندوبة، فكان ذلك إجماعًا من الصحابة على جوازه، وحديث عائشة: "لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصارى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيائِهم مَساجِدَ"، محصورة على من سجد للقبور على وجه تعظيمها كما يسجد المشركون للأصنام والأوثان.
توابل - دين ودنيا
«هدم أضرحة الأولياء» بدعة لا سند لها
18-06-2017