الاستقلال الكردي في العراق يتطلب أكثر من استفتاء
أعلن مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، إجراء استفتاء لاستقلال كردستان في 25 سبتمبر، ولطالما حلم معظم الأكراد بدولة كردية مستقلة تمتد في أربع دول عموماً: تركيا،و إيران، والعراق، وسورية، ما يجعلها أكبر أمة لا دولة لها.شاركت قوات البيشمركة الكردية في عملية تحرير الموصل، منسقةً من خلال الولايات المتحدة مع القوات العراقية ذات الغالبية الشيعية، ويبدو أن الثمن مقابل مشاركة الأكراد في تحرير الموصل كان قبول بغداد وواشنطن بدولة كردية مستقلة يحكمها برزاني، ورغم ذلك لا يبدو هذا الإنجاز وشيكاً.في شهر ديسمبر، نظّم مسرور برزاني، الابن البكر للرئيس ورئيس مجلس أمن إقليم كردستان، منتدى ليومَين في الجامعة الأميركية في كردستان في دهوك. شمل الحضور شخصيات دولية بارزة أمثال السفير الأميركي السابق إلى العراق زلماي خليل زاد، ووزير الخارجية الفرنسي السابق برنار كوشنير، والدبلوماسي الأميركي السابق بيتر غالبريث، فضلاً عن غالبية المسؤولين الأكراد الرفيعي الشأن، وقد أجمعوا على أن للأكراد الحق في تقرير مصيرهم، مما قد يؤدي إلى الاستقلال.
لكن هذا الإجماع حمل بعض الإشارات الضمنية. على سبيل المثال شدد خليل زاد على أهمية التعقّل، وذكّر هوشيار زيباري خال الرئيس والمسؤول الكردي الذي أمضى أطول فترة في العمل في بغداد، الحضور بأن بغداد لن تتعاون في مسألة إعلان الاستقلال الكردي، وبصفته وزير خارجية سابقاً في العراق، يألف زيباري جيداً النخبة السياسية العربية في بغداد أكثر من أي كردي آخر.كنتُ من بين المحاضرين في هذا المنتدى، وبعد الإقرار بشرعية طموح الأكراد إلى دولة مستقلة، شددتُ على ضرورة تحقيق الاستقلال بطريقة سلمية بتأييد من بغداد، وفي هذه الحال قد تحذو القوتان الكبيرتان المجاورتان تركيا وإيران حذوها، ولهذه المسألة أيضاً اعتبارات جيو-سياسية، فقد تخدم منطقة صد كردية سنية في وجه العراق ذي الغالبية الشيعية مصالح تركيا، كذلك قد تشكّل عداوة مسعود برزاني مع حزب العمال الكردستاني عنصراً آخر يدفع أنقرة إلى القبول باستقلال دولة كردية. ستكون الدولة الكردية المستقلة في العراق محاطة باليابسة من كل جانب، لذلك ستُضطر إلى الاعتماد على تركيا أو إيران، بما أنها ستنفصل عن العراق وبما أن سورية مجزأة اليوم، ولكن من المستبعد أن تدعم إيران خطط برزاني، لأن هذه الخطوة ستؤدي إلى قيام دولة كردية مستقلة مجاورة لإقليم كردستان في إيران.لا شك أن إمكان ولادة دولة كردية مستقلة في العراق وقدرتها على النجاح والاستمرار يتطلبان تأييد الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً. جاء في بيان صدر عن واشنطن: "ندرك ونتفهم طموحات شعب كردستان العراق الشرعية، لكننا عبّرنا للسلطات في المنطقة الكردية عن مخاوفنا من أن يلهينا إجراء استفتاء عن الأولويات الملحة، مثل إنزال الهزيمة بداعش، وعودة المهجرين، وحل الصراعات السياسية الداخلية. كذلك نشجّع السلطات الإقليمية على التعاون مع حكومة العراق في مجموعة واسعة من القضايا المهمة المرتبطة بمستقبل العلاقات بين بغداد وإربيل".قد يفسّر الأكراد هذا الغموض بأن واشنطن لا تعارض قيام دولة كردية مستقلة من حيث المبدأ، لكن هذا البيان لا يشير البتة إلى أي التزام أميركي، علماً أن هذا الالتزام ضروري كي يتمكن الأكراد من المضي قدماً.من الناحية الجيو-سياسية، يعجز برزاني عن الابتعاد عن تركيا، ولكن بما أن أنقرة لا تدعم اليوم قيام دولة كردية مستقلة، يشكّل الوقوف إلى جانب تركيا في وجه المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة خطوة سياسية ضعيفة، كذلك من غير المنطقي التقرب من طهران وبغداد أثناء السعي إلى الانفصال عن هذه الأخيرة. في ظل الظروف الراهنة يؤدي إجراء استفتاء بشأن استقلال الدولة الكردية (ما يولّد في النهاية قطيعة بحكم الواقع، إن لم تكن شرعية، مع العراق) إلى إضافة عنصر متقلب جديد إلى منطقة الخليج والشرق الأوسط التي تعمها الفوضى أساساً.إذاً، إن لم تقدِم تركيا على خطوة مستبعدة وتبدّل توجهها بالكامل، فمن شبه المستحيل أن تستمر الدولة الكردية المستقلة، حتى لو أُجري الاستفتاء في 25 سبتمبر.* «جينجيز شاندار»