رياح وأوتاد: تصريحات حكومية ومجلسية متناقضة
إذا كانت تصريحات العدالة والمساواة والإصلاح الاقتصادي مجرد كلام غير قابل للتطبيق والإقرار فإنها لا فائدة منها، والأفضل للنواب والمسؤولين السكوت عنها وعدم البوح بها؛ لأنها إذا صدرت أصبحت التزاما عليهم.
مما يخدش مصداقية أو جدية أي حكومة أو مجلس للأمة أو أي مسؤول ذلك التناقض العجيب بين الأقوال، وأحيانا بين الأقوال والأفعال، فلنتأمل بعض التصريحات التي صدرت عن بعض الوزراء والنواب والمسؤولين ومدى توافقها مع بعضها ومع مواقفهم اللاحقة المختلفة. صدر تصريح من وزير الديوان الأميري أن دخل النفط لا يكاد يغطي الرواتب بعد أربع سنوات إذا استمرت الأوضاع الحالية، وصدر تصريح مشابه من وزير المالية أنه قلق على ديمومة الوضع المالي للبلاد، ولا شك أنها تصريحات صحيحة ومتوافقة مع جميع الدراسات المالية والاقتصادية التي تمت في البلاد، ولكن وخلال أيام قليلة يصدر تصريح أو بيان من مجلس الوزراء أن الوضع المالي يدعو للاطمئنان!!
وبعد ذلك تصدر الميزانية التقديرية للسنة الجديدة متضمنة عجزا بنحو 8 مليارات دينار كويتي (هل يشكل هذا الرقم قلقا أم اطمئنانا؟)، وبزيادة في المصروفات عن السنة السابقة بقيمة 5.3% كلها مصروفات جارية (هل يعني هذا الرقم أن السنوات الأربع قربت؟)، وهكذا تتراوح التصريحات من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال؛ مما يضع المواطن في شك وريبة من حقيقة الوضع المالي والاقتصادي، وقد لمست خلال زياراتي المكثفة للدواوين في رمضان أنه لهذا السبب، أي التناقض بين التصريحات والأفعال، لا تملك التصريحات الحكومية رصيداً كبيراً من المصداقية عند الناس. وأيضا في مجلس الأمة عبر كثير من النواب عن حرصهم على المواطنين وإصرارهم على العدالة والمساواة بينهم وحمايتهم للمال العام، وضرورة تنويع مصادر الدخل، فإذا بدور الانعقاد الأول ينقضي دون إضافة أي مصدر واحد جديد للدخل، وبالعكس تمت زيادة المصروفات 5.3%، كما أقرت كوادر هائلة لناس دون ناس آخرين بدلا من الإسراع في قانون البديل الاستراتيجي الذي يحقق المساواة، وكأن الكويتيين الآخرين من حملة الشهادات نفسها ما يستاهلون!! والمستغرب أن يقوم بعض الوزراء بتهنئة أصحاب الكوادر الجديدة، مع أن تصريحاتهم السابقة ما زالت أصداؤها تدوي في الآذان!! في النهاية إذا كانت تصريحات العدالة والمساواة والإصلاح الاقتصادي مجرد كلام غير قابل للتطبيق والإقرار فإنها لا فائدة منها، والأفضل للنواب والمسؤولين السكوت عنها وعدم البوح بها؛ لأنها إذا صدرت أصبحت التزاما عليهم، كما قال تعالى «كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ».