لا جدال في أن التعليم حق إنساني من واجب الدولة توفيره للجميع وبالمجان، لا سيما في مراحله الأولى الإلزامية، ثم تسهيل الحصول عليه في المرحلة الجامعية وما بعدها، وفي الجانبين الاقتصادي والأمني، فالمعادلة في غاية البساطة، حيث إن الإنسان غير المتعلم تكلفته الاقتصادية والاجتماعية على الدولة أكثر بكثير من الإنسان المتعلم الذي يعتبر إضافة إيجابية تعود بالنفع على المجتمع، كما تزداد نسبة ارتكاب الجرائم بأنواعها المختلفة بين الفئات غير المتعلمة أو متدنية التعليم نتيجة انتشار الجهل، وتدني مستوى الوعي، وارتفاع معدلات البطالة، والظروف الاجتماعية والنفسية الصعبة.في سبعينيات القرن الماضي وبناء على اقتراح إنساني ووطني قدمه نواب الحركة الوطنية والديمقراطية، د. أحمد الخطيب ورفاقه، قامت الحكومة بتجنيس عدد من خريجي الثانوية العامة من فئة «البدون» وكان لذلك أثر إيجابي كبير، ولكن هذه السياسة توقفت بعد مدة قصيرة من العمل بها، وفي الثمانينيات قامت بعض البنوك التجارية بتوفير فرص ابتعاث خارجي لبعض موظفيها من فئة «البدون» كجزء من تحملها لمسؤوليتها الاجتماعية.
والآن، ومن دون الدخول في موضوع التجنيس وما يحيط به من تعقيدات وحساسيات مُفرطة، لماذا لا تتبنى الدولة متفوقي الثانوية العامة من فئة «البدون» عن طريق سياسة عامة واضحة ومُعلنة، بحيث توفر لهم مقاعد جامعية في مؤسسات التعليم العالي الحكومية، أو من خلال الابتعاث الداخلي، وذلك في تخصصات مُحددة ونادرة تتوافق مع احتياجات التنمية، على أن يتم تسهيل عملية تجنيسهم بعد الحصول بتفوق على المؤهلات العلمية المطلوبة، أو على الأقل منحهم إقامة دائمة ومعاملتهم، بالنسبة إلى نظام الرواتب، معاملة المواطن، خصوصاً أنهم مشاريع نوابغ، وثروة بشرية مؤهلة يستفيد منها البلد في المستقبل؟ ومن جانب آخر فإنه ينبغي إلزام مؤسسات القطاع الخاص وشركاته، لا سيما التي تعمل في مجالات التعليم والتدريب والخدمات وإدارة القوى البشرية، بأن تقوم بتوفير فرص تعليم جامعي لشابات وشباب «البدون»، فذلك جزء من مسؤوليتها الاجتماعية التي يجب ألا تتخلى عنها.إن سياسة توفير فرص التعليم الجامعي المميز لمتفوقي «البدون» من خريجي الثانوية العامة في تخصصات معينة لن تحل مأساة «البدون» بشكل جذري، ولكنها حتماً ستخفف من المعاناة المعيشية والنفسية لعدد غير قليل منهم، ناهيك عن أنها سياسة استثمار مضمون النتائج لعناصر بشرية واعدة.
مقالات
عن تعليم متفوقي «البدون»
19-06-2017