مازال المسلمون يستخدمون النمط العشوائي في حكمهم في قضايا معينة، إلى جانب أننا لا نستخدم العقل قبل إصدار أحكامنا حتى لا نقع في إشكالية عدم فهم الذات، هذا ما تناوله كتاب "ثقافة النظام العشوائي وتكفير العقل وعقل التكفير" للدكتور غالي شكري، الذي رصد من خلاله العديد من السلبيات التي يعانيها المسلمون اليوم.

وطرح المؤلف في بداية كتابه أزمة العقل الفكري التي اعتبرها عشوائية مخططة ومدبرة وليست مبعثرة بلا ضابط، إذ إن المسلمين اليوم يستخدمون كلمات استهلكت لدرجة الابتذال في حياتنا الفكرية مثل (أزمة – الثقافة الوطنية - العلمانية – كافر)، وهي مستعملة في غير مكانها أغلب الوقت، حتى كادت أن تفقد معناها الحقيقي، ولعل أقدح الأضرار الناتجة عن ضياع المعنى الأصلي حين يأتي الوقت الضروري لاستخدامها ولا نجدها، لأننا نفتقد الفروق الحاسمة بين الظاهرة التي تستحق وبين التي لا تستحق.

Ad

ويدافع الكاتب في موضع آخر من الكتاب عن العلمانية بمفهومها المصطلحي، مؤكداً أنها ليست ضد الأديان أو القومية العربية، أو الأمة الإسلامية، وأن العلمانية ليست نقيض الدين، لكنها نقيض "الدروشة " أي ليست نقيضا للتدين، ويؤكد الكاتب ضرورة أن نفرق بين مفهومين من العلمانية منعا لخلط الأوراق عمدا أو جهلا، وأن نفرق بين العلمانية الغربية، والعلمانية الشرقية، وبين العلمانية المسيحية والعلمانية الإسلامية، وأن كلتاهما لا تلغي الدين ولكن تفصله عن الدولة، أما الفارق فهو أن المسيحية ليس بها أحكام تشريعية تترك أو يؤخذ بها بعكس الإسلام، فالعلمانية هي العقلانية بلا زيادة أو نقصان، ومن كان ضد العلمانية فهو ضد العقلانية.

ويتطرق الكاتب إلى أزمة الإسلام السياسي، في مقابل أزمة "المصطلح"، لأن الإسلام السياسي هو الذي يقسم المواطنين حسب هويتهم الدينية، فتصبح هناك أغلبية مسلمة أو أقلية قبطية، رغم أنه لا جذور لهذه الأقلية أو تلك الأغلبية في السياق الاجتماعي في البيئة الأساسية للشعب المصري.

ويستعرض الكاتب قضية خطاب التكفير المعاصر، فيقول إن التكفير ظاهرة قديمة حديثة أي انها قبل الإسلام وهي موجودة في كل الأديان، حتى ان النبي (صلى الله عليه وسلم) اتهمه أهله بالكفر لأنه تخلى عن آلهتهم، لذا استمر التكفير إلى العصر الوسيط بين المؤمنين، فقد كان أتباع كل مذهب من أي دين يكفرون غيرهم، وكان المفكرون والفقهاء والعلماء والشعراء هم ضحايا هذه اللعنة المقدسة، كما أن أكبر المظالم في التاريخ البشري باسم التكفير كانت من نصيب محاكم التفتيش التي أقامتها الكاثوليكية في العصور الوسطى الأوروبية، فقد كانوا يشقون الصدور بحثا عن الإيمان، ويحرقون الدور باسم الكنيسة أو الصليب، ومع ذلك فإن التكفير لم يتوقف بانتهاء الحروب أو العصور المظلمة، فقد ورث العصر الحديث هذه المشكلة ولم يستفد من دروس التاريخ.