هو زيد بن أرقم الأنصاري الخزرجي، نشأ في حجر الصحابي الجليل عبدالله بن رواحة، استصغره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم أحد فرده مع جمع من أقرانه، واستصغره قومه يوم رفع إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قول المنافق عبد الله بن أُبَيّ قدحا في مقام النبي (صلى الله عليه وسلم)، كذب رأس النفاق وصدقه الناس، وصدق الغلام وكذبه الناس، فنزل القرآن يصدقه من فوق سبع سماوات، وأنزلت سورة المنافقين، وكشف الله كذبهم، ثم وهو شيخ كبير أنكر على عبيد الله بن زياد نَكْتَهُ بالقضيب ثنايا الحسين وهو قتيل بين يديه، وقال له: هنا كان النبي يقبل سبطه.

أشهر وأشرف مواقف زيد بن أرقم ما كان وهو لا يزال غلاماً صغيراً، فقد شاء قدره أن يسمع ما قاله رأس النفاق عبدالله بن أبي بن سلول في رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فبادر إلى رفع الأمر إلى النبي، غيرة على رسول الله وعلى الإسلام، ولكن المنافق حلف أنه ما قال، وكذب الناس زيداً، وعاش أياماً كلها هم وغم، حتى نزلت سورة المنافقين: "إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" (المنافقون: 1)، إلى قوله عز وجل: "يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ" (المنافقون: 8)، وأرسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى زيد بن أرقم فقرأها عليه‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏إن الله قد صدقك‏ يا زيد)‏‏.‏

Ad

ولنا أن نتصور فرحة غلامٍ حدثٍ كذَّبه قومه، وقد وقع عليه الهم كما لم يقع على أحد من قبل كما قال، ثم ينزل الله عز وجل من السماء قرآناً يصدقه، ويُتلى إلى يوم يبعثون.

وضع ابن حزم الأندلسي زيد بن أرقم في كتاب: (أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد) في عداد أصحاب العشرات من الأحاديث، وذكر أن له سبعين حديثاً وعدَّه رقم ستة وأربعين فيمن رووا عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكما روى زيد بن أرقم عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقد روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان من خواص أصحابه، أما الرواة عن زيد بن أرقم فهم كثيرون من الصحابة والتابعين.

وشهد زيد مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كل المشاهد والغزوات بعدها، وكان أحد أبطال غزوة مؤتة التي دارت على مشارف الروم، خرج إليها مع عبد الله بن رواحة يحمله على حقيبة رحله، يقول: كنت رفيقاً لعبد الله بن رواحة في غزوة مؤتة، فوالله إنا لنسير ليلة إذ سمعته يتمثل بأبيات يتمنى فيها الشهادة، فلما سمعت هذه الأبيات بكيت، فخفقني بالدرة، وقال‏:‏ ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة، وترجع بين شعبتي الرحل‏.‏

وحقق الله لعبدالله بن رواحة رضي الله عنه ما تمناه ونال الشهادة، وعاد زيد بن أرقم بدون صاحبه مع الجيش العائد إلى المدينة، وظل على عهده من الجهاد حتى موقعة صفين بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن سفيان وكان قد انحاز إلى عليّ رضي الله عنه.

بعد معركة صفين، نزل زيد بن أرقم الكوفة، وبنى بها داراً في كندة، واعتزل الأمر كله، وعاش بها يعبد ربه، ويستقبل أصحابه، ويهدي إلى الخير، حتى أتاه أجله سنة 68 هجريا.