«خريف البلد الكبير» الأوطان حين تفنى هل تعود؟
أصدرت «الدار المصـرية اللبنانية» للكاتب والإعلامي محمود الورواري رواية جديدة بعنوان «خريف البلد الكبير»، تدور أحداثها في أجواء ما بعد ثورة يناير 2011 التي شهدتها مصر، وتتناول ما يمكن أن تصل إليه المنطقة العربية في ظل المخاطر الجديدة المحدقة بها.
تدق رواية «خريف البلد الكبير» ناقوس الخطر ممَّا يمكن أن تصل إليه البلاد، من دون تسمية بلد بعينه، إذا تراخى أبناؤها وتسرَّبت الخيانة إلى أرواحهم. أقام الكاتب محمود الورواري بناءه الروائي في عالم شبه خيالي يسير حثيثاً إلى جوار الواقع، معتمداً فيه على بطل روايته رشدي الشيخ، الدبلوماسي المعروف، الذي يصل إلى النجاح والشهرة بمجهوده واجتهاده وانتهازيته، بعيداً عن اسم أو ثروة أسرته، ثم تتكشَّف له بالتدريج حقائق لم يكن يراها طوال رحلته في العمل الدبلوماسي.يعتمد الكاتب في روايته أسلوباً بعيداً عن المباشرة الفجة، مؤسساً عالماً خاصاً به، في زمان ومكان غير محددين، وعبر أحداث ترتبط بطبيعة المكان وخصوصية الزمان، حيث يؤسّس الشيخ النجار (ومعه آخرون)، بلداً جديداً، ويُرسي مبادئ وقيماً راقية، لا تنال منها ومن بلده الكبير، إلا خيانة أقرب الناس إليه.
بين البلد الحقيقي والبلد الوهمي الذي بناه رشدي الشيخ، يحضر التناقض بوضوح، إذ يعيش أحدهما واقعاً مربكاً نتيجة لحوادث سياسية مفعمة بالثورة، ويأتي الآخر على النقيض تماماً، وبينهما تدور أحداث الرواية، من خلال أداء درامي أجاد الكاتب في غزله وطرحه بلغة بسيطة.
فك الطلاسم
يتولى رشدي الشيخ منصباً سياسياً خارج مصر. أثناء عطلة صغيرة في القاهرة، يهاتفه صديق دراسة، ثم يزوره حاملاً صندوقاً خشبياً يحوي مخطوطات قديمة ويتركه له ويرحل. الشيخ بدوره يحمل الصندوق إلى صديق آخر خبير بالمخطوطات يعيش في الإسكندرية، ويطلب منه أن يفكّ طلاسم المخطوطات.في إطار من التشويق والإثارة، تبدأ رحلة البحث في طلاسم لفافات جلدية آتية من البلد المنغلق المناهض للثورة والتجديد، من خلال عالِـم المخطوطات الدكتور عبد النبي الهادي، والذي يستغرق هو وأنبغ تلامذته الدكتور فراج البيومي، في فك شفرة الحكاية التي تتكشَّف لأول مرة، وتبوح بسرها بلسانها.وعند نقطة تقاطع بين حكايات الماضي وأحداث الحاضر يقف رشدي الشيخ ليسأل نفسه: «كيف أفرق بين كل هذه الأشياء وبين ما أعيشه فعلا في الواقع؟ أحياناً أشعر بأن رأسي يتمدّد، أراه أمام عيني يتفتت إلى قطع تتطاير في أرجاء روحي الخاوية، روحي القلقة، المتربصة بي».يتابع: «أنا غير المؤمن دائما بالمصادفات، لا أدري من أين جاءني ذلك اليقين بأن كل شيء مرسوم بعناية ودقة، لا شيء يحدث اعتباطاً. ظهور هذه المخطوطات القديمة، مصائب العمل، ارتباك الأوضاع في مصر، جميعها أراها مقصودة، أو أشعر أنها تستهدفني أنا».وكما تغرق الحكاية في عالِـمَي المخطوطات، كذلك يغرق فيها الدبلوماسي الذي يتعرّض لإحباطات عدة تتعلق بعمله، بينما يلتقي حلمه القديم الذي ظل ملتصقاً بروحه رغم تركه له بإرادته، ويحاول طوال الوقت مقاومة أفكاره المتزاحمة على عقله، كي لا يسقط في متاهات الجنون، خصوصاً مع إلحاح تخيلاته المتتالية لأحداث الحكاية القديمة، والغامضة، التي تتكشف تفاصيلها بمرور الوقت، ويجد نفسه متماهياً معها وكأنه يعايش شخوصها الخياليين، ويقول: «عليَّ ألا أترك بندول رأسي يطن كثيراً حتى لا يفنى الرأس في الجنون، تركت سؤالها وشخوص حكايتي القديمة الذين خرجوا من ضيق اللفافات إلى بعض البراح المتاح في طرقات الشقة وحجراتها. رحت أتأمل فاطمة الجديدة، البشر حين يفنون يكونون قابلين للبعث والعودة إلى الحياة كالنهار المقتول على مقصلة الليل. لكن الأوطان والبلاد حين تفنى وتزول فهل تعود؟».نبذة
محمود الورواري إعلامي، وروائي ومسرحي، صدرت له أعمال عدة تنوعت بين الرواية والقصة القصيرة والمسرح، أبرزها رواية «حالة سقوط» التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، وشهدت روايته «خريف البلد الكبير» رواجاً واسعا.