أبوسعيد الخدري... الإمام المجاهد والمجتهد الفقيه
هو سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي أبوسعيد الخدري مشهور بكنيته، حتى غلبت على اسمه فلا يكاد يعرف به، وهو أخو قتادة بن النعمان الظفري لأمه، وهو أحد البدريين، وأمهما أنيسة بنت خارجة، من بني عدي بن النجار.فقيه نبيل من مشهوري الصحابة وفضلائهم، قال عنه الذهبي: (هو الإمام المجاهد، مفتي المدينة، شهد يوم الخندق، وبيعة الرضوان، حدث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فأكثر وأطاب، وخرج مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في غزوة بني المصطلق، وهو ابن خمس عشرة سنة، وغزا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اثنتي عشرة غزوة، ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله أعلم من أبي سعيد الخدري بالأحداث.
وكان حاله قريبا من حال أهل الصفّة، وإن كان أنصاري الدار لإيثاره التصبر، واختياره للفقر والتعفف، ولم يتراجع أبوسعيد عن حق، ولا نكص عن نصيحة واجبة، بل كان يروي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوله: "لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق، إذا رأه أو علمه"، آثر وآخرون من صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يتجنبوا الفتنة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فلجأ إلى غار في جبل، فلحقه رجل من أهل الشام، قال: فلما رأيته انتضيت سيفي فقصدني، فلما رأني صمم على قتلي، فشمت سيفي، ثم قلت: "إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ، وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ" (سورة المائدة: 29)، فلما رأى ذلك قال: من أنت؟ قلت: أنا أبوسعيد الخدري، قال: صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم،؟، قلت: نعم، فمضى وتركني.لازم النبي، صلى الله عليه وسلم، من صغره، وحفظ عنه، صلى الله عليه وسلم، سنناً كثيرة، وقد روى "بقي بن مخلد" في مسنده الكبير لأبي سعيد الخدري بالمكرر ألف حديث ومئة وسبعين حديثاً، وفي كتابه "أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد" وضعه ابن حزم الأندلسي رقم سبعة في المكثرين من أصحاب الألوف، وذكر أن له ألف حديث ومئة حديث وسبعون حديثاً، وذكر صاحب سير أعلام النبلاء أن له في الصحيحين ثلاثة وأربعين حديثاً، وانفرد البخاري له بستة عشر حديثاً، وانفرد مسلم له باثنين وخمسين حديثاً.روى عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في كتب الحديث جميعاً، فروى له البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه، كما روى عن أبي بكر الصديق (الترمذي)، وعن عمر بن الخطاب (مسلم)، وعن عثمان بن عفان، وعن علي بن أبي طالب، وعن معاوية بن أبي سفيان (مسلم والترمذي والنسائي)، كما روى عن أبي موسى الأشعري (البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي وابن ماجه)، وعن أسيد بن حضير (البخاري ومسلم والنسائي)، وعن جابر بن عبدالله (مسلم)، وعن زيد بن ثابت (مسلم)، وعن عبدالله بن سلام، وعن عبدالله بن عباس (مسلم والنسائي وابن ماجه)، وعن أبي قتادة الأنصاري (مسلم)، وعن آخرين، وحدث عنه عبدالله بن عباس، وعبدالله بن عمر، وجابر بن عبدالله، وأنس بن مالك، وجماعة من أقرانه، وخلق كثير.وظل أبوسعيد الخدري قابضاً على جمر الحق حتى وافته المنية، مات سنة خمس وستين، وكان رضي الله عنه قد اختار مكان دفنه في حياته، ودفن حيث أراد في خارج البقيع في الجهة الشرقية الشمالية منه على قارعة الطريق المؤدي للحرة الشرقية.