منذ نصب زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي أبوبكر البغدادي، نفسه خليفة للمسلمين، في النصف الأخير من 2014، وعكف التنظيم الإرهابي على تعميم مباحث دينية تسرد نصوصا دينية من الكتاب والسنة، وما يعتبرونه إجماعا من المسلمين للتأكيد على مشروعية منصب الخليفة، ووجوب إعطائه البيعة، معتمدين في ذلك كله على فهم ضيق للنصوص، مؤكدين أن إقامة خليفة فرض على المسلمين كافة، وأنها لا تنفك عن مقاصد الشريعة الستة، وأن التقصير في القيام بها معصية من أكبر المعاصي يعذب الله عليها أشد العذاب.ومعظم المباحث التي عممها التنظيم في وجوب إقامة الخليفة، استخدم فيها عبارة "ونصب الإمام أو الخليفة أمر ورد في الكتاب والسنة وإجماع الصحابة"، في محاولة منه لشرعنة أفعاله الإجرامية باسم الدين، ومن بين أدلة التنظيم التي زعم أنها تؤكد مشروعية الخلافة في القرآن: "فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ" (سورة المائدة: 48)، وكذلك "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" (سورة النساء: 59)، ومن أدلة التنظيم من السنة، حديث: "من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية"، وكذلك: "إنما الإمام جُنة يُقاتَل من ورائه ويُتّقى به"، أما إجماع الصحابة فإنهم أجمعوا على لزوم إقامة خليفة لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، بعد موته، وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان بعد وفاة كل منهم.
ولا دليل واحدا في القرآن على أن كلمة خليفة أو إمام كان المقصود بها المعنى السياسي للمصطلح، والآيات التي ورد فيها المصطلح لا تقبل أي تفسير مباشر بالمعنى الذي تحاول التنظيمات الأصولية في الوقت الحالي إضفاءه عليه، فكل كلمات (خليفة – خلفاء – خلائف - أئمة) جاءت بتعابير عامة، ولم تكن خاصة بشخص مفرد مبجل، وأن آيتين في (سورة ص 26) و(سورة البقرة 30)، كانتا نصاً صريحاً لكلمة خليفة، لكنهما كانا محصورين على نبيي الله آدم وداود.أما فيما يخص الأحاديث، فسنكتفي بما أورده كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للقاضي المصري الأزهري علي عبدالرازق، فالكتاب فضل البعد عن التفاصيل الدقيقة التي تخص مدى صحة تلك الأحاديث، وكذلك عدم مناقشة المعنى الذي أورده الشارع من كلمات إمامة وبيعة وجماعة، فيقول: "تلك الأحاديث لم نجد فيها دليلا على أن الخلافة عقيدة شرعية وحكماً من أحكام الدين، فإذا كان صحيحا أن النبي عليه الصلاة السلام أمر بطاعة الإمام، فقد أمر الله كذلك بالوفاء بالعهد لغير المسلمين طالما استقاموا في عهدهم، وهذا لا يعني أن الله رضي بالشرك، ولا كان أمره بالوفاء للمشركين مستلزماً لإقرارهم على شركهم".وتابع: "وقد أمرنا شرعاً بإكرام السائلين واحترام الفقراء والرحمة بهم، فهل يستطيع ذو عقل أن يقول إن ذلك يوجب علينا شرعا أن نوجد بيننا فقراء ومساكين؟، كما حدثنا الله تعالى عن الرق وأمرنا أن نفك رقاب الأرقاء، وأمرنا أن نعاملهم بالحسنى، فهل دل ذلك على أن الرق مأمور به في الدين، أو أنه مرغوب فيه؟".
توابل - دين ودنيا
لا دليل من القرآن أو السُّنة على دينية الخلافة
20-06-2017