من بين أبرز المفاهيم المغلوطة الشائع تناقلها بين عموم المسلمين، فضلاً عن دأب التنظيمات الأصولية المتطرفة على ترويجها على نطاق واسع، أن "مقام الخلافة مقام ديني"، على الرغم من أنه منصب سياسي بحت، ولعل الظروف التاريخية، التي أحاطت بالمصطلح هي التي أضفت الصبغة الدينية عليه، ولقد أشرنا في ما سبق من مفاهيم مغلوطة إلى أنه ليس ثمة دليل في الكتاب والسنة على دينية الخلافة بشكلها السياسي. واستخدم لفظ "خليفة رسول الله"، أول مرة مع أول حاكم للمسلمين بعد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مع الصديق أبي بكر، فهو أول من أُضفى عليه مصطلح خليفة رسول الله، وقد ارتضى رضي الله عنه به، وكتب السيرة تُشير إلى أن أبا بكر رفض أن يُطلق عليه "خليفة الله".
وقد شاع بين المسلمين أنه من ولي أمر المسلمين فقد حل منهم في المقام الذي كان يحله رسول الله، ويقول كتاب "الإسلام وأصول الحكم": "كان من مصلحة السلاطين أن يروجوا ذلك الخطأ بين الناس حتى يتخذوا من الدين دروعاً تحمي عروشهم، وتذود الخارجين عليهم، حتى أفهموا الناس أن طاعة الأئمة من طاعة الله وعصيانهم من عصيان الله،.. فجعلوا السلطان خليفة الله في الأرض، وظله الممدود على عباده، ومن ثم أصبحت الخلافة تلصق بالمباحث الدينية، وصارت جزءاً من عقائد التوحيد، يدرسه المسلم مع صفات الله وصفات رسله".فالخلافة ليست في شيء من الخطط الدينية، وإنما هي خطط سياسية صرفة، لا شأن للدين بها، فهو لم يُعرفها ولم ينكرها، ولا أمر بها ولا نهى عنها، إنما تركها لنرجع فيها إلى أحكام العقل، وتجارب الأمم وقواعد السياسة، واللافت أنه على الرغم من اهتمام المترجمين العرب بما ورد عن اليونان من علوم وفلسفات في شتى المجالات، لكن حظ العلوم السياسية كان الأسوأ من حيث اهتمام المترجمين المسلمين، ولم يترك علماء المسلمين الاهتمام بعلوم السياسة عن غفلة منهم عن تلك العلوم، ولا عن جهل بخطرها، وإنما خوف من بطش الحكام المسلمين.وللعلم فإن مبدأ اختيار من يسمون أهل الحل والعقد للحاكم، لم تطبق إلا في عهد الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان، وغير ذلك منذ خلاف الإمام علي ومعاوية بن أبي سفيان وإقامة الدولة الأموية حتى العثمانية فهي قائمة على قوة السيف وتوريث العرش، وهذا ما سنتعرف عليه في الحلقة المقبلة عن دور القوة والغلبة بالسيف في إقامة الخلافات الإسلامية.
توابل - دين ودنيا
«شرعنة الخلافة» خطأ متعمد لأمان السلاطين
21-06-2017