بينما كان المحافظون البريطانيون يلملمون أذيال الخيبة قبل نحو أسبوع والناخبون الفرنسيون يختارون مئات المبتدئين إلى البرلمان بغية ترسيخ سلطة ماكرون، حظي الأوكرانيون أخيراً بسبب للاحتفال، فقد احتفلوا في كييف بالآلاف، فشكّل الحادي عشر من يونيو بالنسبة إليهم فجر عهد التحرر من تأشيرة السفر إلى أوروبا الذي طال انتظاره، حتى إن إحدى الصحف وصفت هذا الحدث بـ"لحظة سقوط جدار برلين في أوكرانيا".يشكّل هذا الحدث الذي لم يحظَ باهتمام كبير وسط كل هذه التقلبات السياسية، إشارة جديدة إلى أن أوروبا تمضي قدماً. لا شك أن منح نحو 45 مليون أوكراني الحق في السفر بحرية إلى 26 دولة في منطقة الشنغن إنجاز في زمن تُعتبر فيه كلمة "هجرة" في مختلف أجزاء أوروبا وصفة لكارثة انتخابية.
بعد الكثير من الأزمات الوجودية بدأ المؤمنون بالاتحاد الأوروبي يستيقظون فجأةً ويدركون أن التقارير عن موته مبالغ فيها إلى حد كبير، لم تتهاو منطقة اليورو، أما الخروج البريطاني الذي شكّل صدمة وزعزع استقرار الاتحاد قبل سنة، فيُعتبر اليوم فرصةً تتيح للدول السبع والعشرين المتبقية إعادة تنظيم صفوفها.أتذكرون أن الخروج الفرنسي كان من المفترض أن يلي خروج بريطانيا؟ بخلاف كل التوقعات، انتخب الفرنسيون رئيساً أسس حملته على بناء قارة أوروبية أكثر تكاملاً. وفي بريطانيا ربما عززت مراهنة تيريزا ماي الفاشلة على انتخابات مبكرة الآمال في القارة بأن تعود بريطانيا عن قرار خروجها، لكن المفاوضين في بروكسل التواقين إلى البدء بمحادثات الانفصال بأسرع وقت ممكن رأوا في هذا الإخفاق مصدر إزعاج. صحيح أن أوروبيين كثراً ما زالوا يتحسرون على خروج بريطانيا، إلا أن صدمته النفسية قد امتُصت، ونريد اليوم بكل بساطة أن ننتهي من هذه المسألة ونمضي قدماً.من الواضح أن التبدّل الأكثر بروزاً الذي شهدناه لا يرتبط باليورو بل بانتصار ماكرون المذهل في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الشهر الماضي ثم النجاح الكبير الذي حققه حزبه الجديد "الجمهورية إلى الأمام!" خلال الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية في 11 يونيو.من المفترض أن تسمح الأكثرية البرلمانية الضخمة لماكرون بتمرير الإصلاحات الاقتصادية والعمالية، ولم تخفِ أنجيلا ميركل حماستها لفوز شريكها الفرنسي الجديد، الذي لن يقل عنها حماسة في إظهار مدى تعاونهما في العمل معاً. فتكتظ اليوم الرحلات الجوية بين برلين وباريس، وباريس وبرلين بالموظفين الحكوميين المتوجهين إلى اجتماعات.يعبُر الراين اليوم شعور جديد بالإلحاح، وتبدو حكومة ماكرون ميالة إلى ألمانيا بكل وضوح، ويجيد خمسة من أعضائها، بمن فيهم رئيس الوزراء إدوارد فيليب، الألمانية بطلاقة، كذلك نلاحظ أن التقرّب الفرنسي-الألماني لا يقتصر على القيادة: كشف استطلاع ARD-Deutschlandtrend الأخير في الثامن من يونيو أن 94% من الألمان يعتبرون فرنسا حليفاً يمكن الوثوق به، في حين تبنى 21% فقط نظرة مماثلة في روسيا والولايات المتحدة.بالإضافة إلى ذلك، تشير الإحصاءات الأخيرة إلى عامل آخر في نهوض أوروبا مجدداً: ترامب. لن يمحو إعراب الرئيس الأميركي المتأخر عن ثقته بالمادة 5 من معاهدة حلف شمال الأطلسي في التاسع من يونيو الضرر الذي سببته قمتَا حلف شمال الأطلسي والدول السبع الأخيرتان، فضلاً عن قراره الانسحاب من اتفاق باريس بشأن التغير المناخي.بدأ معظم القادة الأوروبيين يتنبهون لهذا الواقع الجديد، فما عادوا يصدقون رواية "البالغين في الغرفة"، التي كان يُروَّج لها سابقاً بغية تعزيز نفوذ رجال شعروا أنهم يستطيعون الوثوق بهم، أمثال جيمس ماتيس وهربرت ماكماستر، لكبح لجام قائد لا يُعتمد عليه. في المقابل بات على أولئك الأميركيين اليوم التكيّف هم بدورهم مع واقع أوروبا الجديد.* «سيلفي كوفمان*»
مقالات
الولايات المتحدة تتراجع وأوروبا تتقدم
22-06-2017