الصحابة الرواة : خباب بن الأرت.. أول من أظهر إسلامه في مكة
هو خباب بن الأرت من تميم، يكنى: أبو عبدالله، لحقه سباء في الجاهلية، فاشترته امرأة من خزاعة، وكان من حلفاء بني زهرة، فهو تميمي بالنسب، خزاعي بالولاء، زهري بالحلف. اشتهر باستقامته ومهارته في صنعته، ما جعل فتيان قريش وسادتها يقبلون على السيوف والنبال التي أتقن صناعتها، وعلى ما يحتاجون إليه من أدوات تصنع من الحديد. بادر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليسمع منه ويسأله عن هذا الدين الجديد، وكان سادس ستة أسلموا على ظهر الأرض، وانقلب حاله، وأعرضت عنه قريش وكفارها، وناصبوه العداء، وأعلنوها حرباً على كل المسلمين خاصة منهم الضعفاء، فلم يكن به عصبية تحميه، ولم يمنعه ذلك من أن يكون أول من أظهر الإسلام بمكة، وثبت خباب على الحق ولم تجد معه ألوان التعذيب التي واجهوه بها، حتى أنهم كانوا يضعون الحديد المحمي على جسده، فما يطفئ النار إلا الدهن الموجود في ظهره.اشتد تعذيب الكفار له ولصحبه وامتد ما دفعه هو ومن معه ممن لا ظهر لهم ولا مانع، إلى أن يرفعوا شكواهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطلبون منه أن يستنصر لهم الله عز وجل، يقول خباب: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟
ويأبى صانع الرجال ومعلم الأجيال، إلا أن يشد من أزر خباب ومن معه، ويبعث فيهم الأمل، ويبشرهم بنصر دين الله، مذكراً لهم بمن سبقهم على الدرب، يقول خباب: فقعد صلى الله عليه وسلم، وهو محمرٌ وجهه فقال: "كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون".أحب خباب العلم، وحرص على سماع القرآن ونشره بين إخوانه المسلمين، والقصة التي تروى في إسلام عمر بن الخطاب تفيد بأن خباباً كان يدرس القرآن مع سعيد بن زيد وزوجته فاطمة بنت الخطاب، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وله اثنان وثلاثون حديثاً، وهو رقم 88 في كتاب "أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد"، لابن حزم الأندلسي، وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وروى عنه كثيرون.قبل وفاته طالت به أيام المرض، وثقلت به أوجاعه، حتى قال مرة: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به. وطلب خباب كفنه، فلما رأه بكى، وقال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله، ووجب أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد فلم نجد شيئا نكفنه فيه، إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، فإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه بها، ونجعل على رجليه من إذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها. ومات خباب سنة سبع وثلاثين، وكان مرضه قد طال به، فمنعه من أن يشهد صفين، وكان عمره إذ مات ثلاثا وسبعين سنة.