في زمن الهروب والاختباء، أصبح مفهوم الشجاعة ضبابياً وبعيداً عن الواقع الملموس، يراه البعض مثالية زائفة أو ترهات، ويخلط آخرون بينه وبين الصراخ والصوت العالي. مفهوم الشجاعة أنقى وأبسط من ذلك، ويمكننا إدراكه بسهولة، لكن السؤال هو: هل نجرؤ فعلاً على أن نكون شجعاناً بما تحمله الكلمة من معنى؟

هل تجرؤ أن تكون نفسك في عالم يسعى إلى تدجينك وتغييرك بشكل مستمر؟ هل تجرؤ على العيش كما تحب واختيار حياتك وفقاً لقناعاتك رغم الضغوط الاجتماعية؟ فالعيش بأصالة في عالم زائف قد يكون من أشجع القرارات التي يتخذها المرء في زمننا الحديث.

Ad

هل تجرؤ على الخروج من قوقعة الراحة ودائرة الأمان والمغامرة في تجارب جديدة واكتشاف عوالم واسعة أخرى؟ فتلك التجارب ستجعلك تنظر إلى الأمور من منظور جديد منعش. الشجاعة ليست انعدام الخوف، بل هي الوقوف في وجه ذلك الخوف والإقدام على القيام بالأمر ذاته الذي يخيفك، على الرغم من إدراك عامل المجازفة والعواقب التي قد تترتب على ذلك.

هل تجرؤ على تغيير قناعاتك وأسلوبك في الحياة متى ما اكتشفت عدم صحتها، أو وجود بدائل أفضل؟ كثير منا يهاب التغيير حتى إن كان إلى الأفضل ولمصلحته... نخافه ببساطة لأنه غير مريح!

الشجاعة هي الاعتذار والاعتراف بأخطائك بدلاً من إنكارها... فهل تجرؤ على أن تعتذر وتعيد بناء الجسور من جديد؟ أرى أن الشجاعة الحقيقية هي في مواجهة سوء التفاهم بدلاً من اجتنابه بالصمت الجليدي، وذلك عن طريق النقاش المتحضر وتطهير الأجواء من الشحنات السلبية والأحقاد، خصوصاً في زمن يضمن لنا الهروب وتجنب المواجهة بـ»كبسة زر». وفي الوقت نفسه من الحكمة معرفة اختيار ما يستحق المواجهة، فليست كل أحداث حياتنا اليومية تستحق كل ذلك المجهود، ويكمن حسن التصرف في التمييز بين ما يمكن التغاضي عنه، وما يتطلب الحل الفوري وما لا يتحمل التأجيل.

الشجاعة هي الجرأة والصراحة في موضعها، لكنها ليست الوقاحة والانفعالية، فالصراخ والأسلوب الفظ وتضخم «الأنا» ما هو إلا سلوك تعويضي وانعكاسات لشخصية ضعيفة ومهزوزة.

تجري الأيام سريعاً، نستيقظ يوماً فتبدو حياتنا مجرد لحظات... فلنعش بشجاعة وإقدام بدلاً من الندم لاحقاً، ولتكن حياتنا مغامرة تستحق الذكر، لنعش أفراداً أحراراً ولنلون حياتنا كما نحب، لعلنا نحدث فرقاً وتأثيراً في هذا العالم الفسيح.