شهدت الساعات الـ48 الماضية تطورات سياسية لافتة في العاصمة الأميركية واشنطن، يتوقع أن تكون لها تأثيرات مهمة على منطقتنا، خصوصاً في ملفي «الأزمة الخليجية مع قطر» و»الأزمة السورية وملحقاتها».

وتوقعت مصادر سياسية مقربة من وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين، أن تثمر الجهود وكذلك التنسيق المباشر بين وزيري الدفاع جيم ماتيس والخارجية ريكس تيلرسون، عن وضع استراتيجية مشتركة للمرحلة المقبلة للتعاطي مع تلك الأزمتين ومع غيرها من الملفات التي تشير بمجملها إلى أن الرجلين باتا مسؤولين بشكل مباشر عن السياسات الخارجية، فيما البيت الأبيض منغمس في تطورات أزمة الحكم الداخلية ومتابعة المعارك السياسية والانتخابية، التي يسعى الرئيس دونالد ترامب لاستثمارها دعماً لمواقفه ومعاركه القانونية والسياسية في مواجهة خصومه.

Ad

واعتبرت تلك الأوساط أن الوزير تيلرسون حسم في الاستدارة السياسية تجاه التعامل مع الأزمة الخليجية، وأكد بشكل لا لبس فيه ضرورة العودة إلى المبادرة الكويتية لقيادة «حل معقول ومقبول ويمكن تنفيذه على الأرض».

ومساء أمس الأول، قال تيلرسون، إنه مستعد للقيام بدور الوسيط إذا فشلت الاتصالات الإقليمية، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه يدعم حالياً الجهود، التي تبذلها الكويت.

وشدد على ضرورة «الوحدة» بين دول الخليج من أجل «أن نركز كل جهودنا على مكافحة الإرهاب».

وأضاف أن السعودية وحليفاتها من الخليج أعدت قائمة مطالب من قطر لحل الأزمة الدبلوماسية. وقال «نأمل أن يتم تقديم لائحة المطالب إلى قطر في وقت قريب، وأن تكون معقولة وقابلة للتحقيق».

وذكر في بيان: «نفهم أنه تم إعداد لائحة مطالب بالتنسيق بين السعوديين والإماراتيين والمصريين والبحرينيين».

وتوقعت مصادر، أن يشكل تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد في السعودية، فرصة جدية لمراجعة المواقف، بما يحفظ مصالح كل الأطراف ويعالج الأسباب، التي أدت إلى القطيعة ويساهم في توحيد مواقفها في مواجهة التطرف والإرهاب، «ولو أدى الأمر إلى تقديم تنازلات متبادلة والتضحية ببعض المواقع والهيئات سواء كانت سياسية أو إعلامية».

وأوضحت تلك المصادر أن الوزير تيلرسون في طريقه لتسليم عناوين ومبادىء مشتركة لأطراف الأزمة، بما يؤدي إلى البدء تدريجياً في نزع فتيلها.

وبشكل أوضح، تقول تلك الأوساط، إن جهود كل الأطراف وأدوارها

لا تزال مهمة في العديد من الملفات التي لا يمكن تعويضها، وتشمل مروحة واسعة من القضايا، بدءاً من الخليج ذاته إلى طهران مروراً باليمن وليبيا وسورية والعراق وصولاً إلى أفغانستان وباكستان.

وأضافت تلك الأوساط أن مواقف الوزيرين ماتيس وتيلرسون متطابقة في هذا الإطار، خصوصاً أنهما يقومان بجهود كبيرة من أجل إنهاء حالة عدم الثقة والاستقرار في العلاقة مع أطراف إقليمية ضرورية، ووقف سوء التفاهم مع نصف السّنة واسترجاعهم من أحضان السياسات الملتقية مع إيران، التي تحتكر حتى الساعة النطق باسم الشيعة في المنطقة.

على خط موازٍ، تقول تلك الأوساط، إن حالة من سوء القراءة للموقف الأميركي، باتت تسود لدى بعض الأطراف، بنت تحليلاتها في المدة الأخيرة على ورقة سياسية أعدها سفير الولايات المتحدة السابق إلى سورية روبرت فورد، قال فيها إن إيران تربح في المنطقة وإنها هي التي تستدرج حرباً ولو بشكل محدود مع الولايات المتحدة.

وتوضح تلك الأوساط، أن سوء القراءة هذا بات يهدد جدياً باندلاع مواجهات مباشرة، ما لم تستدرك إيران أفعالها واستفزازاتها التي تقوم بها خصوصاً في سورية.

في السياق، تؤكد أوساط مقربة من البنتاغون أن القيادات العسكرية الأميركية جادة وماضية في تطبيق خططها العسكرية الهادفة إلى السيطرة على شرق سورية بالكامل من الرقة وحتى الحدود الأردنية ومن ضمنها مناطق درعا والقنيطرة حيث التنسيق مع إسرائيل يساهم في تعزيز موقفها الرافض للتمدد الإيراني في تلك المنطقة.

والهدف الرئيسي هو قطع خط التواصل بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت، عبر السيطرة على المنطقة الصحراوية الحدودية بين سورية والعراق بشكل كامل وعدم السماح لإيران وميليشياتها الداعمة لقوات النظام السوري بإقامة قواعد ومراكز ثابتة لها على هذا الشريط، خصوصاً أن لأميركا القدرة العسكرية الكاملة على رصد أي تحركات أو قوافل عسكرية في اتجاه البلدين.

وفي حين قللت تلك الأوساط من أهمية الاعتراضات الروسية وتهديداتها الأخيرة، بالاستناد إلى التفاهمات المشتركة والنقاشات الاستراتيجية الجارية بينهما في الأردن، كشفت أن الوزير ماتيس يتولى شخصياً متابعة هذا الملف، وأنه قام بتغيير قواعد التعامل مع المجموعات العسكرية السورية المدعومة من الولايات المتحدة، وسمح برفع وتيرة وكمية ونوعية الأسلحة التي بدأت تتلقاها تلك القوات، مما سيمكنها من خوض ليس فقط معارك دفاعية بل وهجومية بامتياز.

وتابعت تلك الأوساط أنه على الرغم من أن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة لا يزال حتى الساعة هو إلحاق الهزيمة بقوات داعش، ومعرفتها المسبقة بميزان القوى السائد اليوم بين أطراف الصراع الداخلي في سورية وبالدور الروسي، لكن السيطرة على الشريط الحدودي الشرقي والجنوبي في سورية، بات أولوية حاسمة، ومن شأنه أن يسمح ليس فقط بتعديل هذا الميزان، لكنه سيؤدي حتماً إلى تقويض محور رئيسي من السياسات الإيرانية في المنطقة، في الوقت الذي تستعد فيه واشنطن لفرض عقوبات جديدة على طهران وتصعيدها، مما قد يساهم في نقل المعركة السياسية إلى داخلها على خلفية التناقضات والتأثيرات، التي ستثيرها تلك الموجة من العقوبات على النظام الإيراني نفسه.

وفي السياق، تقول تلك الأوساط، إن إشارة المتحدث باسم البنتاغون إلى دور حزب الله اللبناني في تشغيل الطائرة من دون طيار، التي أسقطتها طائرة أميركية فوق التنف قبل أيام، كان معبراً لجهة الدور، الذي يلعبه الحزب في المواجهة المفتوحة مع واشنطن، ويمهد على الأرجح للإسراع في إنجاز مجلس الشيوخ لائحة عقوبات مشددة عليه وعلى تنظيمات سياسية لبنانية وعلى بعض المؤسسات المرتبطة به وبإيران ووضع قيود صارمة على النظام المصرفي اللبناني بهدف خنق مصادر تمويله وتحركاته وتعاملاته المالية داخلياً وخارجياً.