بالحكاية نحيك الخواطر، والأفكار والمشاعر، هما مادتا العقل، فبالحكاية تخاط المشاعر، وبالأفكار نحيك القصة، ومن ذلك تحل في النفوس تلك الفتنة اللذيذة التي نحسها عندما نعي أحداث القصص، ولكن "كيف" نتذوق تلك اللذة بالضبط؟ شغلني هذا السؤال كثيراً، غير أنني بعدما تخرجت في آداب اللغة الإنكليزية المليئة بأدبيات الرويات والمسرحيات وقصص الأطفال، أشعر أنني استبصرت بصيص جواب لذلكم السؤال. كنت في صغري منعزلاً في البيت، إذ لم يكن عندي غير أختين تكبرانني بسنين، فاشترت لي أمي جهاز لعبة الفيديو (الناتيندو64)، فغطس دماغي في الجهاز، كنا في طفرة تكنولوجيا التصوير ثلاثي الأبعاد، حيث تسرح الشخصيات بخرائط افتراضية، لتمرح في قصص عوالم متداخلة، ليتجرع اللاعب إحساس حياة تلك الشخصية، فكان وقع القصص عظيما على نفسي، ولكني اكتشفت بعدها أنه مهما تطورت وسائل التعبير عن القصص، فستبقى القاعدة مقررة، بأن قوة القصة تكمن في ترتيبها لأحداثها لا بزخارفها، ولكن لماذا لم ولن تقهر هذه القاعدة؟ سنضطر إلى دخول أدمغة قراء الروايات، والمستمعين للحكايات، ومشاهدي السينمات، لنعرف السبب.الدماغ مجموعة من الخلايا المسمى بـ "العصبونات"، كل خلية دماغية هي كرة بيضاوية تحوي هرمونات عاطفية وكهرباء فكرية، بمعنى أن الخلية الواحدة تحوى قيمة شعورية واحدة وقيمة معلوماتية واحدة، ولكل عصبونة أطراف مثل الأخطبوط تشتبك مع أطراف جاراتها عن يمينها وشمالها ومن فوقها ومن تحتها، فكل مرة يستوعب أحدنا قصة، يتكون غزل لشبكة جديدة في المخ، وهنا يكمن سر سحر القصة الواحدة المميزة عن غيرها.
فكل قصة لها ترتيبها للمشاعر والأفكار التي بدورها ستشكل شبكة دماغية مميزة التأثير، ومن هنا استخدمت القصص وسيلة فعالة لتعليم الأخلاق، حيث قال رب العزة: "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ"، وحُسن القصة هو بأهمية رسالتها الأخلاقية وعمق أثرها؛ فلقد شاء العليم الحكيم أن توجد الحكايات، قبل وبعد آدم وحواء، لقوم يعقلون!
مقالات - اضافات
قوة القَص
24-06-2017