حين تعهدت السعودية، أكبر منتج في منظمة أوبك، في مايو «بفعل كل ما يلزم» للدفاع عن أسعار النفط العالمية، فإنها لم تتوقع أن يختبر السوق تعهدها بعد شهر واحد فقط.

وبينما مددت منظمة البلدان المصدرة للبترول تخفيضات إنتاج النفط، انخفضت أسعار الخام 18 في المئة في 20 يوماً، ويبدو أن أعضاء «أوبك» عازمون على عدم الاندفاع صوب تنفيذ تخفيضات أكبر في الإنتاج رغم ضغوط السوق.

Ad

واختار متعاملو النفط تجاهل الأنباء، التي تدفع باتجاه صعود الأسعار، بما في ذلك انخفاض طال أمد انتظاره في مخزونات النفط الأميركية أُعلن عنه يوم الأربعاء، وركزوا بدلاً من ذلك على عوامل سلبية على غرار استمرار تخمة المعروض العالمي.

نتيجة لهذا، سجلت سوق النفط أسوأ أداء لها في الأشهر الستة الأولى من العام خلال 20 عاماً، مما يشير إلى رفضها القبول بجدوى موقف «أوبك» ورغبتها في تخفيضات أكبر للإنتاج.

وصدر تعهد «كل ما يلزم» عن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح خلال اجتماع في كوالالمبور في أوائل مايو، ليكرر تعهداً قام به رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي قبل خمس سنوات خلال معركته التي كللت بالنجاح في الدفاع عن اليورو.

وقال بوب مكنالي رئيس مجموعة رابيدان لاستشارات السوق وسياسات الطاقة في واشنطن: «لا يمكنك أن تحارب مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) لكن يمكنك محاربة «أوبك»... البعض في «أوبك» يجب أن يخفض الإنتاج أكثر لكن لا أحد يرغب في ذلك».

لعبة الانتظار

كان الفالح ووزراء آخرون في «أوبك»، قالوا إن المنظمة لن تندفع صوب تنفيذ تخفيضات أكبر للإنتاج من المستوى الحالي البالغ 4 في المئة كي تكبح انخفاض الأسعار.

وقالوا إن المنظمة بدلاً من ذلك ستنتظر حتى تتمخض التخفيضات المشتركة الحالية مع روسيا غير العضو في «أوبك» عن هبوط المخزونات العالمية خلال الربع الثالث من العام حين يرتفع عادة الطلب على النفط الخام.

وقالت مصادر في «أوبك» وفي روسيا لرويترز إنه لا مؤشرات تذكر على أن المنظمة تستعد لإجراء استثنائي قبل اجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة في روسيا نهاية يوليو.

وذكر وزير النفط الإيراني بيغن زنغنه: «نجري محادثات مع أعضاء أوبك كي نجهز أنفسنا لقرار جديد». وأضاف «لكن اتخاذ القرارات في المنظمة أمر صعب جداً لأن أي قرار سيعني للأعضاء تخفيضات في الإنتاج».

وأطلق ارتفاع أسعار النفط نهاية العقد الماضي وبداية هذا العقد مشاريع إنتاج متعددة في أنحاء العالم، بما في ذلك في تكوينات النفط الصخري الأميركي، مما نتج عنه فائض عالمي دفع الأسعار للانخفاض من 120 دولاراً للبرميل في 2014 إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل العام الماضي.

وسعت أوبك وروسيا إلى تحقيق استقرار الأسعار عند 50-60 دولاراً للبرميل عبر تخفيضات الإنتاج، لكن أسعار خام القياس العالمي برنت انخفضت هذا الأسبوع صوب 44 دولاراً للبرميل بسبب استمرار المخاوف بشأن فائض الإمدادات.

وزاد المتعاملون والمستثمرون رهاناتهم على أن أسعار النفط ستظل تحت ضغط. وتظهر سوق خيارات الخام الأميركي أن أكبر تغير منذ اجتماع «أوبك» في حيازات عقود المشتقات استحقاق ديسمبر هذا العام كان في خيار البيع عند 45 دولاراً للبرميل.

وزادت المراكز المفتوحة، التي تظهر عدد العقود المفتوحة المتداولة التي لم تُسيل بعد، أكثر من خمسة آلاف مجموعة في الشهر الماضي إلى نحو 38 ألف مجموعة بما يعادل 38 مليون برميل من النفط.

الصخري يعود بقوة

يقول أويستن برنتسن العضو المنتدب لشركة سترونغ بتروليوم لتجارة النفط «توقفات الإمدادات العالمية تراجعت إلى مستوى منخفض جديد لم يسجل في سنوات. النفط الصخري الأميركي يعود بكل قوة...(وهناك) مستويات مرتفعة من المخزونات العائمة وعلى الأرض».

والولايات المتحدة ليست طرفاً في أي اتفاقات لخفض الإنتاج ومن المتوقع أن تزيد الإنتاج من تكوينات النفط الصخري بما يصل إلى مليون برميل يومياً أو نحو عشرة في المئة من إجمالي إنتاج البلاد من الخام.

وقال برنتسن، إنه ما لم تعمق «أوبك» التخفيضات أو تحدث توقفات كبيرة وغير متوقعة في الإنتاج فإن الأسعار ستظل منخفضة.

وقال غريغ مكينا كبير محللي السوق لدى أكسي تريدر للوساطة في العقود الآجلة: «تعميق الخفض قد يكبح انخفاض الأسعار لكن أوبك بحاجة بالفعل للقيام بهذا بدلاً من الحديث عنه فحسب».

وقالت مصادر في أوبك، إن أحد الخيارات قد يتمثل في ضم عضوي «أوبك» ليبيا ونيجيريا في أقرب وقت إلى تخفيضات الإنتاج بعد أن نما إنتاجهما بقوة في الأشهر الأخيرة من مستوياته المنخفضة السابقة بسبب الاضطرابات. وفي الوقت الحالي فإن نيجيريا وليبيا معفيتان من اتفاق تخفيضات الإنتاج.

حصص السوق

تقول السعودية، ذات تكاليف الإنتاج الأرخص في العالم، مراراً إنها تعلمت من أخطائها السابقة عندما خفضت الإنتاج بقوة في الثمانينيات لرفع الأسعار، لكنها فقدت حصة سوقية لمصلحة المنافسين.

وفي وقت سابق هذا العام، أبلغ مسؤولون سعوديون شركات نفط أميركية مستقلة كبرى في محادثات مغلقة بأنه ليس لهم أن يفترضوا أن أوبك ستمدد تخفيضات الإنتاج كي تبدد أثر ارتفاع الإنتاج الأميركي.

وقال جيفري هالي، المحلل لدى أواندا للوساطة إن الخيار الآخر لأوبك هو أن تسمح لأسعار النفط بالانخفاض إلى مستويات حتى «قطاع النفط الصخري الأميركي الحديث الأقل تكلفة سيعاني كي يحقق تعادل الإيرادات والمصروفات عندها».

وقد لا يكون ذلك بعيداً في حين تقترب الأسعار من مستويات التكلفة لشركات النفط الصخري الأميركي المسؤولة عن زيادة الإنتاج التي تقوض جهود أوبك.

وقالت ريستاد إنرجي للاستشارات المتخصصة في التنقيب والإنتاج: «فيما يخص (النفط الصخري في حوض باكن) فإن الآبار التي تم الانتهاء منها في 2016-2017، يبلغ متوسط سعر التعادل فيها نحو 38 دولاراً للبرميل».

وبجانب متابعتها الوثيقة لأنماط الإنتاج الخاصة بمنافسيها، تحتاج أوبك إلى إبقاء نظرها على الطلب العالمي.

وفي حين تشير التوقعات الصادرة عن مؤسسات كبرى بما في ذلك وكالة الطاقة الدولية إلى نمو الطلب العالمي بمعدل قوي يبلغ 1.5 في المئة العام المقبل، فإن هناك مؤشرات على أن الطلب يتباطأ في مركزين آسيويين رئيسيين هما الصين والهند محركا نمو الطلب في السنوات الأخيرة.