قبل عقد من الزمان وبالتحديد في ديسمبر 2004 كتب السفير عبدالله بشارة، أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي، مقالة بمجلة العربي الكويتية، بعنوان مجلس التعاون الخليجي على مشارف ربع قرن، انتهى فيها إلى أن، الخليج هو الجزء السليم الصحي في الجسم العربي، أتذكر هذه المقولة هذه الأيام، وأتساءل: هل ما زالت هذه المقولة صادقة على ضوء الفرقة والانقسام وقطع العلاقات التي تشهدها الحالة الخليجية اليوم؟ لقد وصلت الحالة إلى درجة من السوء أن المواطنين القطريين حرموا حرية السفر والتنقل في دول مجلس التعاون الثلاث، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين، كما قيدت حرية السفر بالنسبة إلى مواطني هذه الدول إلى قطر، وهذا وضع شاذ في العلاقات بين دول لا تربطها وشائج القربى، فكيف يكون مقبولاً بين إخوة أشقاء؟
بريطانيا اختارت الطلاق العسير من الاتحاد الأوروبي، وتقبل الطرفان الوضع على مضض، دون أن تنعكس آثار وتداعيات هذا الطلاق على مواطني ورعايا الطرفين، فلماذا تكون الخلافات السياسية بين الأشقاء أشد مرارة وأعظم وقعا، ويدفع تبعاتها مواطنو الخليج؟ أتى رمضان والخليج منقسم على نفسه وجاءت العشر الأواخر، ودعونا المولى تعالى أن يصفي النفوس ويلهم القادة ما فيه خير الخليج ووحدته وتآلفه، ومر الشهر الفضيل مودعاً حزيناً على ما نحن فيه من فرقة وخصام، وها هو العيد يمر علينا وهو ليس كأي عيد، يمر على الخليج وهو يعاني الانعكاسات السلبية للانقسام والفرقة وحالة الشحن الإعلامي المتبادلة بين الإخوة الأشقاء متمثلة بالتحريض وإثارة الكراهية المتبادلة بين مواطني الخليج. لم يمر الخليج من قبل بهذه الدرجة من السوء، التي طالت المجتمع الخليجي، يتساءل كل منصف ومشفق: لماذا تنعكس خلافات دولنا الخليجية على المواطنين؟ وما ذنب الشعب الخليجي حتى يعاقب؟ ولماذا ليس من حقي كمواطن قطري أن أقضي وأسرتي إجازة العيد في البحرين ودبي وجدة؟! ولماذا يحرم المواطن البحريني والسعودي والإماراتي من اصطحاب أسرته لقضاء إجازة العيد هنا في قطر بين أهله وإخوانه؟! وهل الهدف قطع صلة الأرحام وتمزيق وشائج القربى؟ يتصاعد خطاب الكراهية بين الخليجيين، الإخوة الأشقاء، بسبب الخلافات السياسية، وهو أمر لم يعهده الخليجيون وليس من طباعهم، ولطالما تفاخرنا بأن مجلس التعاون الخليجي، هو الكيان العربي الأكثر انسجاماً والأكبر انفتاحاً والأعظم إشراقاً وأملاً، وهو الواحة الآمنة وسط محيط مضطرب، يأتيها رزقها رغداً وينعم سكانها بمباهج الحياة وأعظم منجزات الحضارة. أصبح الخليج نموذجاً رائعا وحلماً جميلا للعالم العربي، فما الذي حصل لهذا النموذج الرائع ولهذا الحلم الجميل؟ أمن أجل خلافات بين إخوة أشقاء نهدم هذا النموذج الرائع؟ وأين أهل الحكمة والبصيرة، القادة العظام الذين استطاعوا بموفور الخبرة ونور البصيرة صيانة البيت الخليجي وقيادة سفينته في بحر لجي متلاطم الأمواج إلى بر الأمان، لقد نجحوا في مواجهة التحديات، وأقاموا هذا الكيان التعاوني الذي يجسد العمل الجماعي لحماية الأمن المشترك، ويحصن الخليج ويقوي مناعته أمام المخاطر والأطماع الخارجية؟! يتعرض خليجنا لأخطر تحد في تاريخه، فهل ينجح الخليجيون في قيادة سفينتهم إلى بر الأمان؟ختاماً: كان من الأهداف الأساسية لمجلس التعاون الخليجي كما جاء في المادة الرابعة من النظام الأساسي للمجلس، تحقيق التنسيق والتكامل بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها. يبدو على ضوء التوترات الحاصلة أن هدف الوحدة أو الاتحاد الخليجي أصبح بعيدا، فضلا عن التنسيق والتكامل، أكتب هذه المقالة في ليلة السابع والعشرين، وهي ليلة يجتهد فيها المسلمون في كل مكان بالإكثار من الدعاء وتلاوة القرآن والعبادة، كونها مظنة ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وأدعو وأبتهل إلى العلي القدير أن يحقق المعجزة، فيزيل الغمة، ويصفي ما في النفوس، ويهيئ السبل لجمع القادة الأشقاء على التآلف والتعاون لما فيه خير خليجنا الذي يمر بأصعب أحواله، إذ دخل في منعطف الخلافات والفرقة والمواجهات، وطال الخصام وزادت القطيعة وتصاعد خطاب الكراهية والشحن والتحريض، وأملنا كبير في عون المولى تعالى وتوفيقه لجهود صاحب السمو أمير دولة الكويت في عودة مجلس التعاون الخليجي إلى تآلفه وتعاونه ووحدته وقوته صفاً واحداً أمام المخاطر والأطماع والتحديات.* كاتب قطري
مقالات
خليجنا... إلى أين؟!
26-06-2017