المعالم الجيوسياسية وراء سباق السيطرة على شرق سورية
تتقدّم الحكومة السورية في الأسابيع الأخيرة في ثلاث مناطق في وسط سورية وشرقها، شرق حلب باتجاه محور الرقة، ومنطقة دير الزور والتنف قرب نقطة تلاقي حدود الأردن، والعراق، وسورية، وفي الوقت عينه توسّع القوات الديمقراطية السورية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي يقودها الأكراد، رقعة سيطرتها في معقل «داعش» في الرقة، في حين اصطدمت قوات الائتلاف الأميركية بالميليشيات الموالية للنظام في التنف، كذلك تتقدم إيران في الجانب الآخر من الحدود في منطقة البعاج غرب العراق.يذكر فابريس بالونش، خبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن: «أهمية شرق سورية الجيوسياسية مزدوجة، إذ يقع ثلثا النفط السوري في هذه المنطقة التي تضم أيضاً موارد غاز غنية، وكذلك تشكّل بالنسبة إلى إيران معبراً إلى سورية عبر العراق من خلال محور (سنجار، تلعفر، الحسكة) في الشمال ومحور تدمر في الجنوب»، ويضيف أن حسابات النظام السوري الاقتصادية تشمل، إلى جانب النفط والغاز، إعادة فتح طرق تجارية مهمة، مثل الطريق السريع الذي يربط بغداد بدمشق.علاوة على ذلك يحقق النظام السوري، بدعم من الضربات الجوية الروسية، تقدماً أيضاً في ريف تدمر الجنوبي الشرقي،
وهذه السيطرة على تدمر ستسمح للنظام بالمضي قدماً شرقاً في منطقة دير الزور، التي تشكّل معقلاً آخر من معاقل «داعش»، ويبدو أن هذه العملية تُنفّذ بالتنسيق مع هجوم وحدات الحشد الشعبي المدعومة من إيران عبر الحدود قرب سنجار، فضلاً عن البعاج.يعتبر الخبير في الشأن السوري في مركز كارنيغي للشرق الأوسط يزيد صايغ أن الدعم الإيراني للنظام في شرق سورية يقوم في جزء منه على تشجيع قوات الحشد الشعبي على الإعراب عن استعدادها للانضمام إلى القتال في شرق سورية. «لكن هذه الوحدات لن تتخطى في الواقع شكلها الحالي أو مستوى تدخلها، ولن تخاطر بمواجهة الولايات المتحدة مباشرة في وقت يبحث فيه ترامب عن عذر ليعيد فرض العقوبات على إيران ويعززها»، حسبما يخبر صايغ صحيفة «المونيتور».يتابع هذا الخبير موضحاً أنه ما من فصيل يتمتع بالعديد الكافي ليبلغ المراكز السكنية في محافظة دير الزور ويستولي ويسيطر عليها، «لا النظام ولا المجموعات المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة» حسبما يؤكد. يقول بالونش: «تشمل أولويات الولايات المتحدة منع تقدم داعش والتوسع الإيراني من العراق إلى سورية»، وفي المقابل يقوم هدف إيران الرئيس في المنطقة على إنشاء ممر يربط طهران ببيروت.أما روسيا فتحاول على ما يبدو الحفاظ على موقف متوازن من المنافسة الإقليمية المتنامية، فقد جاء رد روسيا على الضربة الجوية في 18 مايو محدوداً نسبياً، مع تشديد نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف على أن الائتلاف ضرب ميليشيا لا فصيلاً تابعاً للجيش المدعوم من إيران، حسبما أوضح محلل الشؤون السورية آرون لوند.لكن صايغ يشدد على أننا ما زلنا نجهل الأهداف الفعلية التي تسعى الولايات المتحدة وروسيا إلى تحقيقها في شرق سورية، فروسيا تريد حلاً سياسياً لسورية؛ لذلك قد لا تستثمر الكثير من الموارد في الشرق، إلا إذا أعرب النظام عن استعداد أكبر للقبول بحل دبلوماسي، أما الولايات المتحدة فلا تملك سياسة لسورية، مع أن إدارة ترامب منحت قادة الجيش الأميركي حرية التصرف كما يرونه مناسباً في القتال ضد «داعش»، لذلك يسعون إلى توسيع عمليات المعارضة في الشرق، ولكن للولايات المتحدة أيضاً حدودها: لن تشارك مباشرةً في القتال في مدن محافظة دير الزور، مثل البوكمال والميادين، وفق هذا الخبير.قد تؤدي لعبة الشطرنج التي يلعبها في شرق سورية عدد كبير من القوات المتنافسة إلى اعتماد صفقة التهدئة التي صممتها روسيا، والتي تهدف إلى تطبيق وقف للأعمال العدائية في بعض المناطق مثل أجزاء من حمص ودمشق، وجنوب سورية وإدلب، ويشير بعض الخبراء أمثال لوند إلى أن الخطة التي جرى التوصل إليها في الأستانة في 9 مايو قد تزيد احتمال تقسيم سورية عبر فرض تجميد للصراع، وهكذا تبقى الفصائل المختلفة مسيطرة على مناطقها الخاصة، علماً أن هذه الخطوة تسرّع عملية انهيار سورية كدولة.* منى علامة* «المونيتور»