بينما كانت توقعات العديد من مراقبي السوق النفطي بأن ترتفع اسعار النفط بعد اتفاق دول "أوبك" وخارجها على تمديد تخفيض الإنتاج، تراجعت الأسعار رغم المعطيات التي كانت موجودة لارتفاعها، إضافة إلى أن الأوضاع الجيوسياسية كفيلة برفعها، وخصوصا في الشرق الأوسط، فما الأسباب التي ساهمت في عدم ارتفاع الأسعار؟ وما البدائل المتاحة لارتفاعها؟

بداية، قال الرئيس التنفيذي في الشركة الكويتية لصناعة المواد الحفازة، د. حسن قبازرد: "لم يكن محللو السوق النفطي جميعهم متفائلين بارتفاع الأسعار بعد اتفاق منظمة أوبك والدول من خارجها، فهناك من توقع ألا يؤثر الاتفاق على الأسعار بالإيجاب، وترتفع".

Ad

وأضاف قبازرد: "ما نراه من انخفاض في الأسعار يرجع بالدرجة الأولى الى ارتفاع مخزونات النفط التجارية، وهي لم تتأثر ‏بالاتفاق بين أوبك والمنتجين من خارجها"، ‏لافتا الى أن المنتجين من خارج "أوبك" قاموا بزيادة إنتاجهم، ‏لاسيما في الولايات المتحدة وبحر الشمال، إضافة ‏إلى زيادة إنتاج نيجيريا وليبيا من داخل المنظمة.

توجهات المخزونات

‏وحول إمكان زيادة أسعار النفط، قال قبازرد إن الأسعار لن ترتفع ومن المرجح ‏أن تتراجع ‏لتصل الى 40 دولارا وأقل من ذلك، مشيرا إلى أن هذا الأمر يعتمد على توجهات المخزونات في الأسابيع المقبلة، ومتوقعا ألا تزيد الأسعار من الآن حتى نهاية عام 2018، ‏لأن من المتوقع أن تزيد الدول من خارج "أوبك" إنتاجها حتى عام 2020.

وعن أسباب عدم ارتفاع أسعار النفط رغم وجود طلب عليه ووجود عوامل جيوسياسية، ذكر أن إنتاج النفط من خارج "أوبك" هذه السنة سيكون أعلى من الطلب، متوقعا أن يكون نمو الطلب على النفط 1.3 مليون برميل، بينما الإنتاج الفائض من خارج "أوبك" 1.8 مليون، أي ستتم تغطية الزيادة على الطلب وأكثر، وكذلك مخزونات النفط عالية، ولم تؤثر على الأسعار رغم وجود اضطرابات سياسية، حيث إن الإمدادات النفطية عالية ولا توجد مخاوف من تعثرها.

وبشأن البدائل المتاحة لرفع أسعار النفط قال: "إذا قامت أوبك بخفض إنتاجها مليون برميل، فمن الممكن أن تسهم في رفع الأسعار، لكن هذه الخطوة صعب اتخاذها لأن المنظمة ستخسر أسواقها، والمنتجون من خارج المنظمة هم المستفيدون".

تخمة نفطية

من جهته، ذكر الخبير النفطي العماني، جمعة الغيلاني، أنه في فصل الصيف عادة تهدأ أسعار النفط عكس الفصل الشتوي الذي يتضاعف الطلب، بسبب الأجواء المناخية الباردة، كما أن هناك تخمة نفطية في السوق ساعدت على خفض الطلب على النفط، مبينا أن البدائل المتاحة هي الالتزام التام من قبل الدول المنتجة للنفط بالحصص المقررة لها، وسحب الفائض في السوق النفطي.

وحول توقعاته للأسعار على المدى المتوسط والبعيد، أشار الغيلاني إلى انها ستبقى تتراوح حول المستوى الحالي الى نهاية يوليو، ومن ثم ستبدأ تدريجيا في التحسن مع نهاية شهر سبتمبر، وبداية الشتاء.

استعادة التوازن

من جانبه، أكد الخبير النفطي محمد الشطي أن "أوبك" والمنتجين المستقلين اتفقوا في مؤتمرهم الوزاري الأخير في 25 مايو 2017 على 3 أمور مهمة، هي تمديد اتفاق تعديل الانتاج 9 أشهر قادمة تنتهي في 31 مارس 2018، وتعديل وثيقة التعاون لتشمل الاستمرار في التعاون، واتفاق تعديل الإنتاج الى حين عودة المخزون النفطي لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الى المستويات الطبيعية، وهي تتمثل في متوسط السنوات الخمس الماضية، إضافة الى تطوير العلاقة بين "أوبك" والمنتجين المستقلين بحثا عن استمراريتها.

وأوضح الشطي ان كل ذلك مؤشرات إيجابية، لأنها تعني في نهاية المطاف استعادة توازن السوق، وهو هدف استراتيجي لأوبك والمنتجين المستقلين، وكان مستوى اسعار النفط الخام الكويتي حين توقيع اتفاق الجزائر في 28 سبتمبر 2016 عند 40.17 دولارا للبرميل (أسعار نفط خام برنت 45.20 دولارا).

وزاد: "لكن هذه الاسعار خسرت غالبا ما كسبته نتيجة اتفاق التعاون بين أوبك والمنتجين المستقلين، ووصلت اسعار النفط الخام الكويتي الى مستويات قريبة مما كانت عليه عند 41.77 دولارا للبرميل في 24 يونيو الجاري، (بينما هبطت اسعار نفط خام الإشارة الى ما دون الاسعار السابقة لتصل الى 44.47 دولارا".

وأشار إلى أن السؤال الذي يراود الجميع ويشغل فكر المراقبين: "ماذا حدث؟ ولماذا العودة إلى الوراء؟ وهل هذا يعني استمرار انخفاض الأسعار أم أن هناك آفاقا للتعافي من جديد"؟

ولفت إلى أنه رغم جهود أوبك والمنتجين المستقلين في تقليص مستويات الإنتاج بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا منذ يناير 2017 وحتى اليوم وتحسن مستويات الالتزام بشكل ملحوظ استحق الاشادة من المراقبين في أسواق النفط، وكذلك ما نتج عن ذلك من انخفاض في مستويات المخزون النفطي تدل على أن مرحلة استعادة توازن السوق بدأت فعليا، لكنها مازالت دون التوقعات لأنها تنخفض باتجاه متوسط السنوات الخمس، ولكنها تنخفض بوتيرة أقل شجعت أجواء القلق من تأخر في تحقق هدف الاتفاق.

تراجع الأسعار

وأرجع الشطي سبب تراجع أسعار النفط الى عوامل عدة:

1 - تعافي إنتاج النفط من بلدان تعاني ومازالت من حالة من عدم الاستقرار، وبينها ليبيا ونيجيريا، وهي مرشحة لرفع إنتاجها، علما بأن نوعية النفوط التي تنتجها هي نفوط خفيفة فائقة النوعية شبيهة بنفط خام الإشارة برنت، ومن المعلوم أن وفرة هذه النفوط تمثل ضغوطا على الأسعار وهوامش أرباح المصافي.

2 - ارتفاع النفط الصخري مع استمرار ارتفاع عدد منصات الحفر يمثل تحديا جديدا وموردا إضافيا لزيادة المعروض في أسواق النفط، خصوصا في ظل توقعات ارتفاع الإنتاج الأميركي من النفط بشكل اكبر في عام 2018.

3 - لاتزال مستويات المخزون النفطي عالية نسبيا رغم انخفاضها.

4 - تغافل الإعلام والمراقبين عن تعهد "أوبك" والمنتجين المستقلين عن تعهدهم، والالتزام بالاستمرار في اتفاق تعديل الانتاج الى حين عودة مستويات المخزون النفطي الى المستويات الطبيعية، وهو مؤشر مهم وضمانة للسوق.

5 - صادرات "أوبك" للسوق الأميركي مازالت عالية نسبيا، ولم تنخفض، حيث تقوم دول بالتخفيض، بينما اخرى مازالت ترفع مبيعاتها من النفط الخام للسوق الأميركي، وهو تطور في نهاية المطاف يعني استمرار ارتفاع المخزون النفطي الأميركي.

6 - مع قيام "أوبك" والمنتجين المستقلين بالالتزام باتفاق تعديل الإنتاج يعني أن هناك طاقة انتاجية فائضة غير مستغلة، ويمكن استغلالها في المستقبل في حالة التوقف عن الاتفاق بدواع تحقق استعادة توازن السوق، وهو ايضا من الأمور التي تحظى باهتمام اسواق النفط.

7 - بعض المنتجين لديهم خطط لرفع القدرات الإنتاجية، وهو ايضا تطور يظل تحت مراقبة السوق النفطي.

8 - المخاوف حول تباطؤ معدلات تنامي الطلب العالمي على النفط، وكذلك أداء الاقتصاد العالمي تمثل تحديا.

9 - قيام العديد من البيوت الاستشارية بخفض توقعاتها لأسعار النفط الخام، والبعض يرى استمرار أسعار النفط عند مستوياتها الحالية حتى 2020 مع استمرار ارتفاع المعروض من إمدادات النفط، ويضيف الى ذلك زيادات في سوائل الغاز والمكثفات، وهي كلها تعني ارتفاع المعروض.

توقعات النفط الكويتي

وقال الشطي: "تبقى توقعات اسعار النفط الكويتي والإشارة متحفظة الى حين تأكد المؤشرات الإيجابية بشأن مسار توازن الأسواق، وأن المهم الذي يجب التنبه له انه رغم أداء أوبك والمنتجين الممتاز بالنسبة إلى ارتفاع نسب الالتزام، فإن السوق يراقب مؤشرات اخرى تستهويه حاليا وتحتل المرتبة الأولى في اهتماماته، وهي مستويات المخزون النفطي، لأنها في حقيقة الأمر هي الدليل الواضح على انخفاض المعروض عن المطلوب، وحدوث سحوبات من المخزون النفطي".

وألمح الى أن الواقع أن السوق النفطي الى توازن، ولكن استمرار وجود مصادر اضافية من المعروض يؤخر توقيت التوازن، وهو ما يقلق الأسواق لأنهم أيضا يهتمون الى ما بعد الاتفاق.