عواصف درامية
انتهى شهر رمضان الفضيل وانتهت معه العاصفة الدرامية السنوية التي حملت هذا العام مسلسلات محلية أخذت حيزا من التغريدات في وسائل التواصل الاجتماعي، ووسط التعليقات والتحليلات ومقالات النقد اختلطت الأقلام المتخصصة بالأقلام التي تقودها العاطفة في الكتابة، فالقراءة النقدية للقصص والمسلسلات ترتكز على آداب وفنون ونظريات تدرس في المرحلة الجامعية بقسم اللغة العربية. ورغم الإقبال الشبابي على كتابة القصص فإن مناهج المرحلة المتوسطة تفتقر إلى القراءة والكتابة الأدبية والنقدية، وبطبيعة قراءاتي واهتماماتي الأكاديمية والبحثية أخذت أبحث عن كتاب يعلم الكتابة القصصية السليمة فوجدت الكاتبة نانسي كريس قد استعرضت بكتابها «تقنيات كتابة الرواية» أساليب كتابة القصة، وما يريده الكاتب وما يتوقعه القارئ من سيناريوهات وفصول من الإثارة السريعة، والواقع الذي يشبه حياة الكاتب والمواقف التي تعرض لها.وتختلف التوقعات باختياراتنا للأحداث والمواقف، فهناك من يحب التفكير ولا يستمتع بقراءة أو مشاهدة المغامرات، وهناك من يريد أن يقرأ عن البطل الذي يحمل صفات غير مألوفة، والبعض يحب السرد الواضح المباشر والبعض الآخر يحب أسلوب الأحداث غير المتوقعة.
والأمر ذاته ينطبق على أذواقنا في استحسان المسلسلات الدرامية، فالبعض يحب متابعة العمل الدرامي الذي يدور حول شخصية تحمل قيمه وأفكاره الخاصة التي يؤمن بها، والبعض الآخر يفضل متابعة الدراما التي تتمحور حول الشغب والتحدي والقيم المغايرة لذوق المشاهد، وتأتي الشخصيات الرئيسة في القصة والأعمال الدرامية لتصبح هي القاسم المشترك.فمسلسل «كحل أسود وقلب أبيض» للكاتبة منى الشمري والمخرج محمد دحام الشمري قد قدم الشخصية النسائية القوية التي فرضت نفسها، مما يتفق مع نانسي كريس بأن الحبكة تعتمد على الشخصية الرئيسة، وذلك بارتباطها برد فعل الناس، فالسيدة المغامرة والواثقة كشخصية العمة منيرة قد تصدرت القصة حتى النهاية، تظهر القوة تارة والقسوة تارة أخرى أمام الظروف المختلفة، حاملة في داخلها سمة الانتقام والخضوع للحزن في آن واحد.أما مسلسل «يوم أسود» للكاتب فهد العليوة فيقدم شخصية الرجل الضعيف والخجول والمنغلق على نفسه والمتناقض، والذي رغم ضعفه فإنه يتخذ من العنف وسيلة لإثبات شخصيته في منزله وأمام زوجته، وقد أخذت قضية العنف الأسري مساحة لا يستهان بها من الحلقات الأولى دون أن تجد الزوجة غير الكويتية حلاً إلا عن طريق الهروب إلى شمال إفريقيا مع أطفالها.لا شك أن كتابة القصة، كما تحدثنا نانسي، تعتمد على العلم والمهارات، وفي دراستها يشعر الكاتب بإطلاق العنان لمشاعره وخياله والتعبير عن ذاته وتفاعله، مع حدث معين سواء في الحاضر أو في السابق، وتحديد أنواع الشخصية أيضا يعتمد على الكاتب نفسه، إما أن يبتكر شخصية مستمدة من ذكرياته، وإما أن يستغل تجربته الشخصية لطبعها على شخصيات أخرى، ومهما اختلفت الدوافع والمهارات تبقى حاجتنا لتعزيز مهارات الكتابة الروائية والنقدية بالسبل العلمية الصحيحة للجيل الناشئ من الشباب المقبل على كتابة الروايات قائمة، وتحية للكاتبة منى الشمري لاختيارها زمن البساطة في فترة الستينيات وفهد العليوة لجمعه النقيضين: «ساهر الليل» سابقا بكل تفاصيل الماضي و«اليوم الأسود» بكل صعوبات الحداثة، وتحية لجميع الممثلين كإلهام الفضالة وعبدالمحسن النمر وجميع النجوم الذين حملتهم القصص الروائية إلى الشاشة الصغيرة هذا العام.