تزدحم لوحاتك بالحكايات، لا سيما في معرضك الأخير «خلف الأبواب المغلقة». إلى أي مدى تشغلك ثيمة الحكاية في العمل الفني؟ لوحاتي مليئة بالحكايات لما تؤديه من دور كبير في حياتنا. لديَّ رغبة في دفع المتلقي إلى قراءة هذه الحكايات بشكل مختلف. لا أقدم تشخيصاً، بل أتعمد غالباً إخفاء الملامح، على عكس أعمالي الأولى.
حكايات خلف الأبواب
يرى البعض أن معرضك الأخير يختلف عن أعمالك السابقة. ما تعليقك؟«خلف الأبواب المغلقة» أحد المعارض الصعبة بالنسبة إلي. كان من المفترض أن أقدم شيئاً جديداً، ولكني اكتشفت أنني ما زلت بشكل أو بآخر متأثراً بالصراع الاجتماعي للبطل الرئيس في معارضي السابقة، فظهر من دون قصد، ولكن بأداء وتقنية جديدين. أنا مهتم بالصراع الاجتماعي نتيجة للملاحظات الكثيرة التي تلفتني في الشارع، ربما لأني أعيش وسط برجوازيين، ما يدفعني إلى النظر إلى الخارج كثيراً، فيظهر الصراع أحياناً في شكل العشوائيات وظلم الرجل للمرأة. تجدين ذلك في ألواني وخشونة السطح. عملت بحرية شديدة خلال الإعداد لهذا المعرض، وفوجئت بأن لوحاته بيعت خلال الأسبوع الأول من العرض، ربما السبب اختلاف المنتج المعروض، نظراً إلى الرسم بحرية من دون التقيد بموضوع أو حركة البيع والشراء.لماذا تغلب الأحجام الكبيرة على كثير من أعمالك؟يتماشى الحجم الكبير مع مبدأ الحرية والتجريب الذي أقدسه خلال العمل، فأتعامل مع اللوحة الكبيرة بحرية أكبر، بينما أشعر بأنني مكتوف اليدين أمام اللوحة المنمنمة أو الصغيرة.نلحظ أن الألوان الدافئة أكثر حضوراً في لوحاتك.تسيطر الألوان الدافئة على أعمال كثيرة فعلاً، لأني من خلالها أنقل حركة الصراع الاجتماعي. صحيح أني أحب ألواناً أكثر من غيرها، ولكني في النهاية أعشق التوازن، الذي يأتي أحياناً من التناقض.العدالة الاجتماعية
تقتني الكثير من الأعمال الفنية. ما هي رؤيتك لآلية الاقتناء الأخيرة في المجتمع الشرقي؟دخل الفن التشكيلي ضمن أولويات الطبقة فوق المتوسطة، وهو مؤشر جيد. ولكن الملاحظ أن كثيرين منهم يسعون إلى اقتناء فن لا يحتاج إلى تفكير، فن مقروء بسهولة كالبورتريه أو المنظر الطبيعي إلى آخره، ما يدفع بالمتلقي إلى عدم الإقبال على هذا المجال مستقبلاً.ولكن ما هي «الثيمة» التي تشغلك باستمرار، وتحاول تجسيدها في أعمالك؟أضع عقدة أو مشكلة وأقوم بحلها على اللوحة. يشغلني دائماً موضوع العدالة الاجتماعية وكيفية الوصول إليها بطريقة لا تضر الناموس الاجتماعي. بدأت أعمل في هذا الاتجاه، وفرض الموضوع نفسه. وجدت نفسي أرسم بيوتاً وبحراً وطيوراً، وخطرت على بالي فكرة معرضي السابق «الهجرة» في غاليري المسار، وتمثلت لديَّ هجرة الطيور في الشتاء والصيف.«خلف الأبواب المغلقة» يعُد المعرض الخامس الفردي لك بخلاف المشاركات الجماعية. ما الفرق بينه وبين معرضك الأول؟لا أرى فرقاً كبيراً بين المعرض الأخير وما سبقه من معارض، ما عدا تأكيد الثقة في الممارسة الفنية. ولكن ازداد الخوف لديَّ، وأحاول التغلب عليه، ونجاح المعرض حملني مسؤولية كبيرة، وقد اقتنت صالة كريستيز إحدى اللوحات.الفن حياة
صرحت بأنك دخلت الفن للبحث عن ضالتك، فهل وجدتها؟وجدت ضالتي في هذا المجال. لأول مرة بعد سنوات كثيرة أقدم شيئاً من دون حسابات للعمل. أصبحت أكثر صراحة وعلانية. أقدم فناً وأعتبر نفسي محظوظاً. بدأت في سن متأخرة لأني لم أكن أستطيع العيش من الفن، وهو أمر صعب جداً على فنان في بداية حياته لن يستطيع بيع أعماله بسهولة. اشتغلت أعمالاً صعبة، وتعرضت لحروب وتحديات كبيرة بعدما أثبت نفسي.كان عملي يتطلّب السفر كثيراً، من ثم كنت أزور المتاحف والغاليريهات في الخارج، وعندما استقرت الأمور، تفرغت للفن التشكيلي. كنت مهموماً بما سأفعله بعد التقاعد، وكانت لديَّ عقيدة بأني إذا عملت في التجارة بعد عمر الـ60 عاماً فسأعوق العمل، فأنا لا أؤمن بعمل رجل عجوز في هذا المجال، بل ربما أعطي رأياً أو نصيحة لا أكثر. تعرفت إلى صاحب محل ألوان في فلورانس بإيطاليا وتفاعلت معه، واقتنعت بأني ربما أقدم فناً مختلفاً من خلال تقنية معينة، واشتريت ألواناً وسكاكين ورسمت سبع لوحات، وشعرت بارتياح تام لها. كانت الفكرة بسيطة خلال الرسم، إذ أردت أن أشعر بوجود بشر وفراغ وأرض وموضوع من دون رسم تفاصيل كثيرة. منذ ذلك الوقت أعطيت الفن جانباً كبيراً من اهتمامي، كذلك اتجهت إلى النحت، وقدَّمت منحوتات تشبه رسوماتي في اللوحات، لكنها مجسمة، وتعجبت أن تم اقتناء إحدى المنحوتات بسويسرا. منذ ذلك الحين، بدأت العمل ووجدت نفسي أدخل في تحدٍ، أي أن أكون فناناً يعرض أعماله، وألتزم بالعمل بشكل منتظم.ما هي رؤيتك للمشهد التشكيلي الراهن مع تعدّد المعارض؟ ثمة محاولات جيدة، ولكني أخشى على فنانين شباب كثيرين يبحثون عن المكسب أولاً، ثم يسيرون في ركاب التقليد. بعض هؤلاء لا يسعى إلى التفكير والتجريب لأسباب عدة من بينها المادية وعدم الانفتاح على الحياة. ولكن عموماً، المشهد جيد، إلا أنه مخيف في الوقت ذاته، فالجانب المضيء يتمثّل في رغبة الناس في الاقتناء، فيما الجانب المخيف هو الأسعار التي بدأت ترتفع حتى من الفنانين الصغار. كذلك نحتاج إلى أشخاص يعون جيداً آلية التسويق.سطور
ولد أحمد فريد في القاهرة بمصر عام 1950، حيث يعيش ويعمل راهناً، وهو يؤمن بالتعلم الذاتي، وتدرب بجد واجتهاد في أستوديوهات الفنانين المرموقين في فلورنس وميلانو.حصل على درجة البكالوريوس في العلوم الاجتماعية، وعمل في مجال الإدارة والتسويق في بدايات مسيرته المهنية، بدأ شغفه بفن الرسم مع سفره إلى الخارج في مطلع السبعينيات، حيث عاصر تغيرات الثقافة الأوروبية، ما بعد حوادث مايو عام 1968، وظاهرة صيف الحب في أميركا وقبل كل شيء الأحداث السياسية والاجتماعية المصرية.وتأثرت رسومات أحمد فريد بالرمزية التي تعزو إلى الأصل التجريدي التعبيري، حيث الأشكال التي تكاد تكون مرئية، ولكنها تعكس ما في داخل الفنان وحقيقة واقعه، حيث اللوحات البسيطة للظلال المتباعدة والشخصيات الشاردة التي تكاد تكون وليدة نسيج من الألوان مختلطة وسابحة في فيضه وتموجاته.