منذ أعوام قليلة كان اتجاه نجوم السينما، من ممثلين ومخرجين، إلى الدراما التلفزيونية بمثابة «خيانة» للسينما، وكانت «الهجرة» غالباً تتم على استحياء، إما بحجة الطفرة الهائلة التي أصابت فن الدراما التلفزيونية، على الصعيدين التقني والفكري، أو القول بتراجع حجم الإنتاج السينمائي، بسبب تدهور الحالة الاقتصادية، ما انعكس سلباً على السينمائيين!

في ذروة تلك «الهوجة»، كان المخرج الكبير يوسف شاهين الاستثناء الوحيد تقريباً، قبل أن تتغير الأمور، ويصبح «الاستثناء» هو «القاعدة»، وصار «الهروب» إلى الدراما التلفزيونية «خيانة مشروعة»، إذ أصرّ شاهين، حتى اللحظة الأخيرة من حياته، على التشبث ببيته الحقيقي (السينما)، ورفض أن يغادره بأي حال، فيما استشعر النجم نور الشريف، بحدسه المُرهف، أن وضع السينما محفوف بالمخاطر، في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية محلياً وعالمياً. ومع نهاية التسعينيات من القرن الماضي، قام ببطولة مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي» عن قصة للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، كتب لها السيناريو والحوار مصطفى محرم، ورغم عودته لممارسة عشقه الحقيقي، عبر قيامه ببطولة أفلام مثل: «عيش الغراب، وعفريت النهار، والمصير، والكلام في الممنوع»، فإنه حسم أمره تماماً بعد تصديه لإنتاج وبطولة وإخراج فيلم «العاشقان»، وانتقل نهائياً تقريباً إلى الدراما التلفزيونية ليقدم عدداً من المسلسلات الاجتماعية أشهرها: «عائلة الحاج متولي، والعطار والسبع بنات، وعيش أيامك، وحضرة المتهم أبي، والدالي»، وبين الحين والآخر كان يعود إلى السينما لتقديم أفلام متفرقة، مثل: «دم الغزال، وعمارة يعقوبيان، وليلة البيبي دول، ومسجون ترانزيت». لكن إقامته في أستوديوهات الدراما التلفزيونية دامت طوال الخمس عشرة سنة الأولى من الألفية الثانية، إلى أن كسرها ببطولة فيلمه الأخير «بتوقيت القاهرة» عام 2015.

Ad

فعلها النجم محمود عبد العزيز كذلك، لكن في وقت متأخر للغاية، فباستثناء مسلسل «رأفت الهجان» بأجزائه الثلاثة (1988 و1990 و1991)، ظلّ مخلصاً للسينما كثيراً، ولم يتخل عنها مُطلقاً، وكان الاستثناء الوحيد عام 2004 عندما قام ببطولة مسلسل «محمود المصري»، وبعد أربع سنوات من الغياب عن الساحة الفنية كلها عاد ليقدم فيلمي «ليلة البيبي دول» و{إبراهيم الأبيض»، ومع حلول عام 2012 انتقل إلى أستديوهات الدراما التلفزيونية، ولم يخرج منها، حيث تفرّغ طوال السنوات الأربع الأخيرة من حياته لبطولة مسلسلات: «باب الخلق، وجبل الحلال، ورأس الغول»!

اللافت أن عام 2012 شهد أيضاً انتقال النجم عادل إمام إلى الدراما التلفزيونية، وهو الذي لم يقدم طوال مسيرته الفنية سوى مسلسلين هما «دموع في عيون وقحة» (1980) و{أحلام الفتى الطائر» (1978)، وتردَّد أنه قام عام 1978 أيضاً ببطولة مسلسل ثالث مجهول بعنوان «كيف تخسر مليون جنيه»، لكنه فاجأ الجميع كعادته عندما تفرغ تماماً للدراما التلفزيونية، وكأنه اتخذ قراراً بهجر السينما نهائياً، بدليل توليه من 2012 حتى 2017 بطولة ستة مسلسلات هي: «فرقة ناجي عطا الله» (2012)، و{العراف» (2013)، و{صاحب السعادة» (2014)، و{أستاذ ورئيس قسم» (2015)، و{مأمون وشركاه» (2016)، و{عفاريت عدلي علام» (2017)!

في الأحوال كافة، يمكن القول إن «الخيانة المشروعة» اكتملت أبعادها في الموسم الرمضاني، الذي انتهى منذ أيام، وشهد حضور عدد كبير من النجوم المحسوبين على السينما، أمثال: أحمد السقا، وكريم عبد العزيز، ومنة شلبي، وياسمين عبد العزيز، وهاني سلامة، وهند صبري، وآسر ياسين، ودنيا سمير غانم، وأيتن عامر، وغادة عبد الرازق، وأحمد رزق، ومصطفى شعبان، وعمرو سعد، وحورية فرغلي، بالإضافة إلى المخضرمين عادل إمام، ويسرا، وعزت العلايلي، وسهير رمزي، وفاروق الفيشاوي. لكن باستثناء يسرا في «الحساب يجمع» ومنة شلبي في «واحة الغروب» وآسر ياسين في «هذا المساء»، فإن التألق كان من نصيب وجوه لم تُحسب يوماً على السينما، أمثال: أمير كرارة في «كلبش»، وياسر جلال في «ظل الرئيس»، إذ حققا نجاحاً نقدياً وجماهيرياً كبيراً، فيما شهد الموسم إخفاق نجوم لهم اعتبارهم، وأسماؤهم، في السوق، في مفاجأة تنبئ بأن ثمة إعادة ترتيب للأوراق، والأرقام، ستشهدها الفترة المقبلة، وأن انقلاباً وشيكاً في «بورصة المعاملات الفنية» سيفرض نفسه على الساحة، وسيسفر عن ارتفاع أسهم وتراجع أخرى... وهبوط ثالثة إلى أدنى مستوياتها!