الناس على دين ملوكهم!

نشر في 30-06-2017
آخر تحديث 30-06-2017 | 00:24
 صالح القلاب جاء في كتاب "عمر والتشيُّع" للكاتب المبدع حسن العلوي: وعن ابن الأثير يقول هادي العلوي: كان الوليد بن عبدالملك صاحب بناءٍ واتخاذ المصانع والضياع، فكان الناس يلتقون في زمانه فيسأل بعضهم بعضاً عن البناء، وكان سليمان صاحب طعام ونكاح، فكان الناس يسأل بعضهم بعضاً عن النكاح والطعام، وكان عمر بن عبدالعزيز صاحب عبادةٍ، فكان الناس يسألُ بعضهم بعضاً عن الخير، وما وِردُكَ الليلة، وكم تحفظ من القرآن، وكم تصوم من الشهر؟".

يريد ابن أثير في هذه الحكاية، التي لا تخلو من مبالغة، تبعية سلوك الناس للخليفة، بوصفه قدوة لهم، والتبعية هنا مباشرة وبسيطة، تتمثل في ملاحظة سلوك الخليفة والاقتداء به عن وعي وقصد. وترجع فكرة القدوة إلى وقت مبكر، وقد نصَّ القرآن على ضرورة الاقتداء بالنبي، صلى الله عليه وسلم، كأسوة حسنة للمؤمنين تُبصّرهم بأبعاد السلوك المثالي، وهناك تصور متقارب يردُ في روايات عهد عمر.

ففي الطبري: لما جيء بسيف كسرى ومنطقته وزبرجه إلى عمر قال: "إن قوماً أدوا هذا لذوو أمانة"، فعقّبَ عليُّ بن أبي طالب: "إنك عففْتَ فعفّتْ الرعية".

ويتردد رأي في نفس المعنى، يقول ابن سعد وابن الجوزي: إن عمر كتب به في جملة وصاياه إلى عماله... وإحدى صيغه تقول: "إن الرعية مؤدية إلى الإمام، ما أدى الإمام إلى الله، فإذا رتع الإمام رتعوا"، وتصدر هذه الملاحظات عن فكرة القدوة، فرجل الحكم إذا كان نزيهاً لزم الناس، ومنهم المسؤولون الثانويون، جانب العفة، وإذا كان سارقاً، فلنا أن نتوقع أن يكون الناس سُراقاً مثله... (هل يحتاج العربي المعاصر إلى دليل واقعي على صحة هذه القاعدة؟).

وهنا ترتد سياسة السلطة على المجتمع، فتكسبه صيغتها الخاصة بها، بهذا المعنى تردُ عبارة ينسبها ابن شعبة إلى علي بن أبي طالب تقول: "الناس بأمرائهم أشبه منهم بآبائهم".

وأقسم بالله أنني لا أقصد مسؤولاً معيناً ولا شخصاً بعينه، لكنني وجدت أنه واجب أن أنقل هذا عن السلف الصالح قبل حوالي ألف وأربعمئة عام، وحيث كانت "درَّةُ" الفاروق جاهزة لتهوي على رأس كل مَن يحيد عن النزاهة، سواءً أكان كبيراً أم صغيراً: "إن الرعية مؤدية إلى الإمام (المسؤول) ما أدى الإمام إلى الله".

رُوي، وبالطبع هذه مجرد "نكتة" أو "تبشيعة" مقصودة، أن ياسر عرفات (أبوعمار)، رحمه الله، كان ومعه حراسه في طريق عودته من صور اللبنانية إلى بيروت، بعد جولة تفقدية، فرأى على جانب الطريق بائع كومة سمك "يتلاصق" تحت أشعة الشمس، فطلب من مرافقيه التوقف، ثم نزل وأخذ سمكة، وبدأ يشمها من عند ذيلها، ليتأكد مما إذا كانت طازجة أم متعفنة وقديمة... وهكذا عندما رأى كبير مرافقيه "فتحي" يفعل هذا الذي يفعله قال له وهو يطلق ضحكة مدوية: "أخ أبوعمار، أرجوك أن تترك الذيل وتهتم بالرأس، لتتأكد إن كان "الخراب" قد وصل إليه أم لا"، فأطلق أبوعمار ضحكة مدوية أيضاً وهو يُردد: "لعنكَ الله، لعنك الله، شو قصدك؟!".

back to top