بلع لسانهم الطير!
الميزانية العامة للدولة تشهد أكبر جريمة مالية في تاريخ الكويت ولربما في العالم، حيث رصدت الأجهزة الرقابية بما فيها مجلس الأمة نفسه واللجنة المختصة مبلغ 4 مليارات دينار قد اختفت بدون أي إثباتات أو سندات صرف أو حتى معرفة الجهات التي استفادت أو استولت على هذه الأرقام الفلكية من المليارات!
عندما اندلعت شرارة الإيداعات والتحويلات المليونية في أواخر مجلس 2009 قامت الدنيا ولم تقعد، وبفضل الحراك الشعبي تم إسقاط الحكومة والمجلس معاً، وهما السلطتان اللتان حامت حولهما أصابع الاتهام حول الاستيلاء على أموال عامة قدّرت بنحو 300 مليون دينار، ووصل الأمر إلى رفع المطالب السياسية إلى سقف غير مسبوق، إذ طرحت ولأول مرة في تاريخ الكويت السياسي فكرة الحكومة المنتخبة واختيار رئيس وزراء شعبي على نطاق سياسي واسع، وبلغت قوة المسيرات والاحتجاجات حد المواجهة مع قوات الأمن، وطالت الملاحقات والاعتقالات والمحاكمات المئات من الشباب بالإضافة إلى شخصيات سياسية وبرلمانية.واتهمت المعارضة الشرسة التي ركب موجتها العديد من نواب المجلس والمرشحين لعضوية البرلمان بالسعي إلى الانقلاب على السلطة، وانقسم الشارع الكويتي طولاً وعرضاً في دوامة من الأزمات السياسية التي استمرت نتائجها وتبعاتها على الساحة المحلية حتى اليوم، وفي ذروة ذلك التصعيد السياسي الشرس بين شرائح من المعارضة من جهة والحكومة وأنصارها من جهة أخرى، تغير مسار الأحداث في اتجاهات أخرى غفلت وتناست أصل المشكلة والفضيحة المالية المتمثلة بضياع مئات الملايين.
كنا في ذلك اليوم صوتا ثالثا ينادي بضرورة الانتصار للإصلاح السياسي والتصدي للفساد والمفسدين عبر جبهة وطنية تحتضن ألوان الطيف الكويتي، والتركيز فقط على مخططات الاستيلاء على المال العام عبر مشروع وطني في إطار الدستور والقانون، بعيداً عن أي أجندات خاصة أو تكسب سياسي فئوي أو حزبي أو طائفي، حتى لا تفلت الأمور وتضيع معها أصل القضية، وكان هذا الصوت الذي لم تستمع له الكثير من الآذان بسبب الصراخ العالي بين الحكومة والمعارضة التي تحولت فيما بعد إلى الأغلبية المبطلة، وكان ذلك التيار الثالث يحذر أن تفلت قضية الإيداعات والتحويلات لأنها ستتحول إلى كرة ثلج وتتدحرج لتصل إلى المليارات من أموال الشعب مستقبلاً.لم تمض سوى خمس سنوات فقط، وإذا بالميزانية العامة للدولة تشهد أكبر جريمة مالية في تاريخ الكويت ولربما في العالم، حيث رصدت الأجهزة الرقابية بما فيها مجلس الأمة نفسه واللجنة المختصة مبلغ 4 مليارات دينار قد اختفت بدون أي إثباتات أو سندات صرف أو حتى معرفة الجهات التي استفادت أو استولت على هذه الأرقام الفلكية من المليارات!هذه ليست الطامة الكبرى، فالأكبر من ذلك أن هذا التجاوز الرهيب قد مر مرور الكرام تشريعياً ورقابياً دون أن تهتز شعرة في جسد أغلبية أعضاء مجلس الأمة، خصوصا ممن كانوا في طليعة الاحتجاجات والمظاهرات تحت ستار القبيضة، فالمجلس أقر هذه الميزانية المعيبة بكل رحابة صدر للتفرغ للعطلة البرلمانية، أما رقابياً فقد تصدى النائب الفاضل رياض العدساني لاستجواب رئيس الحكومة في هذا الشأن، لكن أشاوس المعارضة السابقة قد بلع لسانهم الطير فمنحوا الحكومة ورئيسها حصانة ضد المساءلة حتى نهاية عمر المجلس الحالي، من أجل صفقات رخيصة لم ولن ينالوها ولو شربوا من البحر، فهل من ذل ومهانة أكبر من هذا؟!