كشفت ضوابط تسجيل شركات المشاريع الصغيرة والمتوسطة لدى إدارة العمل المختصة بالقوى العاملة عن غياب الرؤية الحكومية الموحدة لتشجيع هذا النوع من الأنشطة الاقتصادية، بل أكدت تلك الضوابط انعدام الربط الحكومي بين الجهات ذات الصلة، وأنه «كلٌّ يغني على ليلاه».

أبرز ما اشترطته لوائح هيئة القوى العاملة، لقبول التصنيف فيها، هو اقتصار تلك المشاريع على الكويتي الذي لا يتجاوز عمره 45 عاماً، وألا يكون متقاعداً أو طالباً، كما اشترطت أن يكون صاحب العمل مسجلاً على الباب الخامس لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.

Ad

وبالنظر إلى تلك الضوابط سنجدها معاكسة لتوجهات وزارة التجارة والصناعة ووزيرها خالد الروضان، فالوزارة تعكف حاليا على إنجاز قرار الرخص المتناهية الصغر، أو ما عُرِف إعلامياً بـ«الرخص المنزلية»، والتي تهدف إلى تشجيع المواطن على تأسيس عمله الحر عبر المشاريع الصغيرة.

وهذا النوع من الرخص لا يشترط عمراً محدداً لصاحبه، أو ألا يكون متقاعداً، فهو قائم في أساسه على قانون الشركات، الذي لا يمنع الطلبة أو المتقاعدين أو من هم فوق سن الـ45 من تأسيس نشاط تجاري مهما كان حجمه.

وهنا يُطرَح سؤال: كيف توافق «التجارة» لمتقاعد أو طالب أو أي كويتي فوق سن الـ45 عاماً على تأسيس مشروع صغير أو متوسط، بينما تأتي «القوى العاملة» وترفض اعتماده في إدارتها لإنجاز معاملاته؟

من جهة أخرى، نجد أن بلدية الكويت تعمل على إنجاز لائحة العربات المتنقلة مع المجلس البلدي، ووفق ما جاء في اللائحة – التي لم يعتمدها الوزير حتى الآن - فإن الحصول على ترخيص عربة متنقلة لا يستلزم عدم تجاوز صاحب العربة 45 عاماً أو ألا يكون طالباً، فلائحة العربات المتنقلة فتحت المجال لأي كويتي يريد البدء في هذا النوع من النشاط أن يتقدم لها للحصول على ترخيص، سواء كان فرداً أو شركة أو مؤسسة، غير أن هذا الأمر يتعارض مجدداً مع تصنيف «القوى العاملة» للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

في المقابل، نجد أن سياسة الحكومة قائمة على إحالة الموظفين إلى التقاعد لـ«تجديد الدماء»، وفي مجلس الأمة هناك مساعٍ نيابية لتخفيض سن التقاعد للرجل والمرأة إلى 25 و15 عاماً على التوالي، فهل يعقل أن تسعى السلطتان إلى التخلص من الموظفين الحكوميين، وفي الوقت نفسه تمنعهم من تسجيل مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة في «القوى العاملة»؟

إشكالية كبيرة خلقتها «القوى العاملة» حين حرمت المتقاعد ومن تجاوز سنه 45 عاماً الدخول في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فمتوسط عمر التقاعد في الكويت بين 55 و65 عاماً، وهو سن لايزال الموظف فيه قادراً على العطاء والبداية الجديدة، بما يمكنه من مضاعفة دخله أولاً، وخلق فرص وظيفية ثانياً قد تخدم أبناءه في المستقبل وتوفر عليهم عناء الانتظار في طابور «الخدمة المدنية».

كما أن منع انتقال أي موظف حكومي، تجاوز سنه 45 عاماً، من العمل المكتبي الإداري إلى العمل الحر، بدعوى تجاوزه السن اللائحية التي وضعتها الهيئة، يعني إهدار الاستفادة من خبراته وتفويت الفرصة عليه لاستثمار طاقاته في مشروع صغير أو متوسط.

هل هناك سوء فهم حكومي لمفهوم المشاريع الصغيرة والمتوسطة؟ يبدو كذلك، فرغم أن كل تصريحات الوزراء والمسؤولين تتحدث عن أهمية دعم الشباب لإنشاء هذه المشاريع، فإن واقع الحال، لاسيما بعد صدور لائحة «القوى العاملة» يؤكد أن هناك تبايناً كبيراً في مفهوم الفكرة بين الجهات الحكومية، ولا يوجد أدنى تنسيق بينها للاتفاق على تعريف تلك المشاريع.

أهمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بحسب ما يراه الاقتصاديون، لا تكمن فقط في نقل موظف حكومي واحد إلى عمل حر، فهذه الجزئية ليست سوى مقدمة لما هو أهم، إذ إن نجاح تلك المشاريع من شأنه أن يوفر فرصاً وظيفية للآخرين، دون النظر إلى عمر صاحب الشركة أو إذا كان طالباً أو متقاعداً.

مارك زوكربيرغ، أحد مؤسسي شركة «فيسبوك» أشهر وأكبر مواقع التواصل الاجتماعي في العالم، والذي يضم الآن 800 مليون مستخدم، أطلق مشروعه بالتعاون مع شركائه حين كانوا طلاباً في جامعة هارفارد الأميركية، واليوم يوظف هذا الموقع أكثر من 17 ألف شخص، وتبلغ قيمته السوقية تريليون دولار.

تطبيق «سناب تشات»، هو الآخر أطلقه ثلاثة طلاب من جامعة ستانفورد الأميركية عام 2011، ونجح هذا التطبيق في توفير نحو ألفي وظيفة، كما تبلغ قيمته السوقية 25 مليار دولار.

ما سبق نموذجان بسيطان لنجاحات عالمية لمشاريع صغيرة أطلقها طلبة من مقاعد الدراسة، وهناك كثير مثلها في مجالات مختلفة غير التكنولوجيا، فضلاً عن نماذج عديدة أخرى لمشاريع أسسها متقاعدون، وآخرون تجاوزت أعمارهم 45 عاماً.

«القوى العاملة» اليوم وضعت حجر عثر في ضوابطها للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، فخطة الحكومة لتشجيع العمل الحر عبر تسهيلات الرخص التجارية اصطدمت اليوم ببيئة غير فعالة وغير مشجعة في الهيئة، وليس أمام «القوى العاملة» سوى طريقين لا ثالث لهما، إما الجلوس على طاولة واحدة مع بقية الجهات لإعادة تعريف مفهوم «المشروعات الصغيرة والمتوسطة» وهدفها وكيفية تشجيعها، أو الاستمرار في سياسة العمل الفردي لكل جهة، ليستمر التضخم الوظيفي في الجسد الحكومي.