العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز قرر أخيراً تسمية ابنه الأمير محمد ولياً لعهد المملكة. ويتطلع الأمير محمد البالغ الحادية والثلاثين من العمر إلى تحديث المملكة عبر «رؤية 2030» للاصلاح الاقتصادي، التي تهدف الى التحول عن الاعتماد على النفط عبر زيادة نشاط القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية. ومن المؤكد أن هذه الخطة اللافتة والمتميزة هي ردة فعل على انهيار أسعار النفط.

والسعودية في حاجة ماسة إلى هذه الخطة، لأن نحو 80 في المئة من عوائد الحكومة تأتي من النفط، كما أن المملكة تتمتع بمستوى من الرفاهية الذي تدعمه عوائد النفط، إضافة إلى أن ثلثي موظفيها يعملون في أجهزة مرتبطة بالحكومة، وترتفع نسبة السكان الشباب فيها مع وجود 45 في المئة من السكان دون الخامسة والعشرين من العمر، ويبلغ معدل البطالة بالنسبة الى من هم ما بين 15 و24 سنة 31 في المئة، وكان الناتج المحلي الاجمالي قد شهد تراجعاً كبيرا منذ عام 2014.

Ad

اكتتاب أولي

ويشكل ضعف أسعار النفط تحديا لخطة ولي العهد السعودي الهادفة الى جمع تريليوني دولار من خلال بيع حصة من شركة «أرامكو» عبر اكتتاب أولي لشركة، وتفترض السعودية وصول سعر برميل نفط برنت إلى 60 دولاراً في تقديراتها لقيمة الحصة المباعة من «أرامكو»، مقابل نحو 45 دولاراً للبرميل اليوم.

كما أن الحرب التي تخوضها في صراعها مع إيران في كلا من اليمن وسورية مكلفة ولا تبدو من نهاية مؤكدة لها، ولذلك أجبر ضعف أسعار النفط الحكومة السعودية على التوجه الى الاقتراض من الخارج.

ولكن حتى في حال نجاح خطة الأمير محمد بن سلمان، فإن الوقت قد يكون متأخرا اذا ما حدث مزيد من التراجع في أسعار النفط، وما يترتب على ذلك من تأثيرات سلبية على الأسهم الأميركية وذلك للأسباب التالية:

إن اتحادات الكارتيل، بما فيها منظمة أوبك، تعمل فقط من أجل ابقاء الأسعار أعلى من مستوى التوازن، وهو ما يشجع الغش وتجاوز الدول الأعضاء لحصص الإنتاج، كما أن المنتجين الآخرين سيستغلون ارتفاع الأسعار بزيادة انتاجهم. وفي العقد المنتهي في شهر نوفمبر عام 2014 كان انتاج المنظمة مستقراً بشكل أساسي، فيما استأثرت روسيا وشركات التكسير الأميركية وتلك المنتجة لزيت الرمال الكندية في الغالب بمعظم النمو.

وكان ذلك عندما تم التخلي عن القيود، وارتفع الانتاج من 30 مليون برميل في اليوم الى حوالي 34 مليوناً، ثم عمدت السعودية وغيرها من دول الخليج العربي المنتجة للنفط وذات الموارد المالية الضخمة الى لعبة ظنت فيها أن بوسعها تحمل الأسعار المتدنية لفترة أطول من منافسيها، مما يرغم المنتجين الرئيسيين الآخرين في النهاية على خفض الإنتاج – وخاصة شركات النفط الصخري الأميركية. ولكن عدد منصات الحفر العاملة في الولايات المتحدة بدأ يزداد بسرعة بعد هبوط كبير وكذا الحال بالنسبة الى الانتاج في كل منصة عاملة.

وعلى صعيد عالمي، دعم تراجع المخزون ارتفاعا في الأسعار، ولكن تخفيض انتاج «أوبك» لم ينجح في ذلك، ويرجع السبب بشكل رئيسي الى مرونة وبراعة شركات النفط الصخري الأميركية. ومع القرار الذي اتخذ في شهر نوفمبر الماضي بخفض الانتاج بنحو 1.8 مليون برميل في اليوم، بدا أن «أوبك» وشركاءها قد خسروا اللعبة.

انهيار شركات

ولاتزال توقعاتي لوصول سعر برميل النفط الى ما بين 10 و20 دولاراً للبرميل – وهي التكلفة الحدية للانتاج في المواقع الكفؤة– تبدو سارية. وسيشكل هبوط السعر الى ذلك المستوى صدمة مالية تعيد الى الذاكرة انهيار شركات الـ «دوت - كوم» في أواخر تسعينيات القرن الماضي، والذي عجل بركود عام 2001 ومحنة الرهن العقاري عالي المخاطر في منتصف العقد الأول من الألفية والتي أدت الى الركود العظيم في 2007- 2009.

ومن الطبيعي أن تتعافى الأسعار بعد حدوث خفض في الزيادة المفرطة في انتاج الطاقة. ولكن مع زيادة الإنتاج – وخاصة من قبل شركات الزيت الصخري الأميركية – فإن سعر التوازن للنفط قد يكون بحدود 40 دولاراً للبرميل، وهو أقل كثيراً من السعر المفترض عندما حدثت العديد من استثمارات الطاقة في وقت سابق.

وتعمل الولايات المتحدة بسرعة على خفض اعتمادها على الطاقة المستوردة، ولكن لاتزال نسبة 40 في المئة من استهلاك النفط فيها مستوردة.

وهكذا فإن أسعار النفط المتدنية مفيدة للاقتصاد الأميركي مع خفض الضرائب التي يتم دفعها الى المنتجين الأجانب. ويعطي هذا المستهلكين مزيداً من قوة الإنفاق نتيجة هبوط أسعار البنزين، كما يخفض تكلفة استيراد الطاقة من قبل الشركات.

وهكذا أنت ستتوقع أن يرتبط هبوط أسعار النفط بارتفاع قيمة الأسهم. ولكن الحال ليس كذلك. والارتباط بين خام غرب تكساس الوسيط ومؤشر ستاندرد اند بورز 500 منذ شهر نوفمبر سنة 2014 –عندما رفضت أوبك خفض الإنتاج– حقق متوسطاً ايجابياً بلغ 27 في المئة مع ارتفاع ذلك المؤشر بنسبة 3.5 في المئة. وبكلمات اخرى، يميل مؤشر ستاندرد اند بورز 500 الى الارتفاع مع ارتفاع أسعار النفط ويهبط مع هبوطها.

ويرجع هذا بشكل جزئي الى حصة قطاع الطاقة من اجمالي المؤشر. ولكن مع ضعف أسهم الطاقة في السنوات الأخيرة انخفضت تلك الحصة الى 6 في المئة من الإجمالي، وهو ما يقارب أدنى مستوى في 27 سنة وبتراجع قوي عن الـ 16 في المئة في عام 2008.

ولكن عندما نستبعد قطاع الطاقة تظل بقية مؤشر ستاندرد اند بورز 500 مرتبطة بالنفط بنسبة تبلغ 18 في المئة في المتوسط. ويعني هذا ضمناً أن المضاعفات الاقتصادية المفيدة من انخفاض تكلفة النفط الخام تغمر بعوامل سلبية وربما بالتأثير المالي الكبير للعديد من شركات الطاقة. وفي أعقاب العشرات من حالات الإفلاس خلال الهبوط الحاد في أسعار النفط يشعر المستثمرون بقلق من أن تنتقل المخاطر المالية لشركات الطاقة الى كل أرجاء قطاع العمل.

وقفزت أرباح سندات الطاقة، وقد ينتشر هبوط الأسعار الى بقية الأسواق العالية الربح. واذا استمر هبوط سعر الخام فإن المخاوف المالية ستتفاقم من دون شك، وقد تتمثل النتيجة في الصدمة التي كنت أبحث عنها، والتي ستنهي الارتفاع الطويل في سوق الأسهم وتعجل بحدوث ركود اقتصادي.