أيام دبلوماسية «النفط الفنزويلي مقابل الصداقة» باتت معدودة

واشنطن أدارت ظهرها لأميركا اللاتينية... ومادورو انتصر مؤقتاً

نشر في 30-06-2017
آخر تحديث 30-06-2017 | 18:20
No Image Caption
تعج شوارع فنزويلا بتظاهرات تجري مواجهتها بقنابل مسيلة للدموع، وتزخر وسائل التواصل الاجتماعي بمشاهد لقوات الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وهي تضرب وتطلق النار على المحتجين في دولة تعرف بأنها تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، ولكنها تستورد النفط الخام حاليا، وتوشك أن تتخلف عن السداد، ورغم ذلك يصر مادورو على أنه يحقق «انتصاراً دبلوماسياً»، ولديه وجهة نظره.

فممثلو فنزويلا في الجمعية العامة لمنظمة البلدان الأميركية قد انسحبوا في 22 يونيو من اجتماع المنظمة السابع والأربعين في كانكون ونجحوا في اسقاط مبادرة نقاد إقليميين تهدف الى توجيه اللوم الى مادورو، بسبب تبديدلهما تبقى من ديمقراطية في فنزويلا. كما فشل تمرير مقترح بديل يحث الحكومة المستبدة على «اعادة النظر» في مسألة انشاء جمعية تأسيسية صديقة للنظام تضع دستورا جديدا للبلاد على غرار دستور كاسترو. وهكذا تأجلت أكثر جهود أميركا اللاتينية الدبلوماسية أهمية في ظل صمت لا يستهوي سوى حاكم مطلق.

وقال جوزيه بوتافوغو كونغالفس، وهو دبلوماسي برازيلي سابق إن «فنزويلا لاتزال تستغل حقيقة أن دول الاقليم تفتقر الى ظروف تمكنها من اطلاق أعمال منسقة».

والشيء الأقل وضوحاً هو ما اذا كان هذا الصمت يمكن أن يستمر. وبعد كل شيء، فإن ولاء كتلة الدول الصغيرة التي تقف بين مادورو والتقريع لا يمكن أن يكون عاطفياً. وعلى الرغم من أن قلة من أعضاء التكتل مثل بوليفيا ونيكاراغوا ترتبط عقائدياً مع الجمهورية البوليفارية، فإن معظمها دول جزر كاريبية وساحلية صغيرة في أميركا الوسطى ومواقفها مدفوعة بحاجتها الى النفط الرخيص.

ومن خلال مبادرتها بتروكاريب Petrocaribe باعت فنزويلا كميات من النفط بحسم الى دول تعاني نقصا في الطاقة، وكانت بشكل عملي مثل هبة في بعض الحالات. وفي الآونة الأخيرة، على أي حال، تبدد ذلك السخاء بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية في فنزويلا التي نتجت عن هبوط الأسعار العالمية للنفط – وهو المصدر شبه الوحيد لعوائد التصدير في ذلك البلد.

ويشكل سعر النفط المنخفض نعمة مزدوجة بالنسبة الى دول الكاريبي، حيث يخفض فواتير الطاقة وأعباء الديون لدول ذلك الإقليم التي تعد عالية جدا. وتمكنت جامايكا وجمهورية الدومينيكان، وهما من أكبر الدول المستوردة للنفط، من التخلص من معظم ديون بتروكاريب بعد حسم كبير من قبل خزانة فنزويلا المفتقرة الى النقد.

وفي هذا السياق، يشكل تردي مبادرة بتروكاريب فرصة لدبلوماسية نصف الكرة الغربي، ثم لماذا لم يتمكن القادة في الأميركيتين من استغلال وضع فنزويلا وتحويل الزبائن المترددين عن طريق عرض مساعدات منافسة؟ وألا يفترض أن تتمكن أميركا اللاتينية من تغيير نصف عدد الأصوات على الأقل في منظمة الدول الأميركية من خلال تقديم المساعدة أو الضغوط الدبلوماسية، بحسب جيمي أباريشيو اوتيرو، وهو سفير بوليفيا السابق في واشنطن الذي يضيف «الأمر لا يتوقف على انفاق الكثير من المال، ولكن يتعين أيضاً حشد تأييد المزيد من الدول القوية في الإقليم».

هنا تصبح اللعبة الدبلوماسية محيرة. وكان التودد إلى زبائن فنزويلا جزءاً من المنطق وراء مبادرة إدارة اوباما للطاقة النظيفة في سنة 2015. ولكن حتى تلك المساعدة جاءت حذرة.

وقال نائب مستشار الأمن القومي الأميركي في ذلك الوقت بن رودس «لن نتمكن من استبدال النفط الفنزويلي بالنفط الأميركي». وفي ضوء عدم اهتمام واشنطن الحالي بأميركا اللاتينية لم يحضر وزير الخارجية ريكس تيلرسون اجتماع كانكون – ومن غير المحتمل أن يتغير ذلك الموقف في وقت قريب.

وقال البرازيلي بوتافوغو غونكالفيس «علينا ألا نتوقع اجراءات منطقية بقدر أكبر وأقل تهدئة من الحكومة الأميركية الحالية، ومن غير المحتمل أن نشهد خطوات جريئة أو مساعدات مالية من البرازيل والمكسيك والأرجنتين التي تواجه أزماتها السياسية والاقتصادية المعقدة».

قد يشكل غياب الولايات المتحدة في الواقع نعمة خفية للقادة الإقليميين الذين كانوا على الدوام يخشون الانزلاق اللاتيني تحت مضائق فلوريدا.

ومع تراجع دور الولايات المتحدة أصبح السكرتير العام لمنظمة الدول الأميركية لويس ألماغرو أكثر بروزاً، ووعد حتى بالاستقالة إذا تراجعت فنزويلا عن مبادرة الجمعية التأسيسية أو حررت السجناء السياسيين أو أجرت انتخابات حرة.

وألماغرو ليس وحده في هذا الصدد، فقد أيدت 20 دولة الاقتراح الذي يحث مادورو على الغاء الجمعية التأسيسية، وهذا العدد يقل بثلاثة أصوات فقط من عدد الثلثين المطلوب للأغلبية.

وقال خافيير كوراليس، وهو عالم سياسة في كلية أمهرست «كان هذا أكبر عدد من الدول التي تقف معا ضد فنزويلا، وقد كان من بينها دول ظلت حتى الآن مهادنة ومتوددة للنظام الفنزويلي أو غير راغبة في مواجهته مثل المكسيك والبرازيل».

ولننظر الى بيليز وهي واحدة من المستفيدين من بتروكاريب، ولكنها صوتت رغم ذلك لصالح وساطة خارجية لحل أزمة فنزويلا، كما امتنعت عن التصويت على الاقتراح الذي يدعو مادورو الى التخلي عن محاولته اعادة كتابة الدستور.

وأبلغ رئيس الوزراء دين بارو الصحافة المحلية في الشهر الماضي «علينا في بيليز أن نكون حذرين في مواقفنا بحيث لا ندير ظهرنا الى أصدقائنا عند أول اشارة على تعرضهم لمتاعب، ولكن لا ينبغي لأحد أن يظن أن بيليز تدعم كل الإجراءات التي تتخذها الحكومة الفنزويلية».

قد لا تكون المعارضة في فنزويلا بالقوة الكافية. كما أن التحولات الفاترة في الموقف الإقليمي قد لا تتناسب مع حجم الغليان الذي تشهده شوارع فنزويلا، والذي ذهب ضحيته 75 شخصاً حتى الآن. ولكن من المؤكد أن أيام دبلوماسية النفط الفنزويلية في مقابل الصداقة والدعم باتت معدودة.

back to top