جوها جارفين هو أب شاب يقيم في احدى القرى الصغيرة التي تعرف بقلة عدد سكانها وتقع على مقربة من منطقة جورفا في غرب فنلندا، وكان هذا الأب يمتلك أفكاراً عديدة تتعلق بكسب لقمة العيش واعالة عائلته. وكان أن وافق جوها في الآونة الأخيرة على القيام بطلاء سقف منزلين لجيرانه بأمل تحقيق قدر من المال، وكان هذا الأب الشاب يعمل في الماضي في صنع اطارات تزيينية لنوافذ المنازل عندما تعرض للإفلاس في مهنته قبل عدة سنوات، ثم بعد أن تمكن من تسديد كل ديونه عمد الى اختيار مهنة اخرى جديدة تتمثل في تسجيل مقاطع فيديو لخدمة الزبائن.

وعن هذا التحول في حياته يقول جارفين انه كان يأمل طوال ستة أعوام في أن يبدأ نوعاً جديداً من العمل ولكن ذلك الهدف كان في حكم المستحيل. وكانت وسيلة العيش بالنسبة الى هذه العائلة تتمثل في التعويل على أجر زوجته التي كانت تعمل ممرضة اضافة الى ما يحققه من مساعدات بطالة ورعاية أطفال، وقد حصل على عدد من عروض العمل من شركات محلية وكانت تدور حول العمل في قطع الأشجار بشكل رئيسي وصنع الأثاث والأعمال المعدنية، ولكن أي شيء يقل عن وظيفة دائمة وأجر جيد لم يكن منطقياً في هذه الحالة، وذلك نظراً لأن من شأن هذا تهديد دفعات الرعاية التي كان يتقاضاها، كما أن محاولة اعادة تسجيل اسمه من أجل استعادة تلك الدفعات سوف تمر عبرمراحل صعبة ومؤلمة وطويلة وبطيئة.

Ad

تحول في الحظ

ثم حدث تحول في حظ السيد جارفين في شهر يناير الماضي وذلك عندما تم اختياره بصورة عشوائية عبر شريحة العاطلين عن العمل في فنلندا (والتي تشكل 10 في المئة من قوة العمل في ذلك البلد) من أجل المشاركة في دراسة رائدة تستمر مدة عامين وتتعلق بمحاولة معرفة كيفية الحصول على دخل أساسي بدلاً من التعويل على مساعدات البطالة، إضافة الى بحث الطريقة التي تؤثر فيها هذه العملية على حوافز سوق العمل. وكان جارفين يحصل على راتب شهري يبلغ 560 يورو (624 دولاراً) وهذا يمكنه من اضافة الدخل الجديد الى ما كان يتقاضاه من الحكومة من دون أن يتم اقتطاع أي شيء منه.

وإذا تمكن جارفين من تحقيق تقدم فإنه من المبكر جداً طرح أي استنتاجات في هذا الصدد، ولن تقوم "كيلا" وهي هيئة الرعاية الوطنية في فنلندا التي تدير هذا المشروع الرائد بالاتصال بأي واحد من المشاركين فيه قبل عام 2019 وذلك خشية أن يؤثر هذا على نتائج المشروع. وتعمد هذه الهيئة بدلاً من ذلك الى المراقبة عن بعد وهي تستخدم السجلات الوطنية لدخل العائلة والضرائب التي يتم دفعها اضافة الى بعض الخطوات الاخرى ذات الصلة. (مع الاشارة الى أن المعلومات سوف تكون متاحة بالنسبة الى الباحثين فقط).

صعوبات التنفيذ

وقد ظهرت بعض الدروس والنتائج على أي حال، ويقول أولي كانغاز الذي ساعد على تصميم هذه الدراسة وهو يشرف عليها لصالح هيئة الرعاية الوطنية إن العملية فاقت التوقعات في صعوبة تنفيذها وقد وصفها بأنها "كابوس"، كما أنه يشتكي من مواقف رجال السياسة المتباينة ولكنه يصر على ضرورة انجاز هذه الدراسة قبل الانتخابات المقررة في سنة 2019. ويصف كانغاز رجال السياسة بأنهم مثل "صبيان صغار يركبون سيارات ألعاب وقد تملكهم السأم"، وتجدر الاشارة الى أن السياسة في فنلندا تتسم بالتعقيد؛ فعلى سبيل المثال فإن حزب الوسط وحزب الخضر وأقصى اليسار من مؤيدي هذه الدراسة، اضافة الى الجناح الليبرالي في حزب المحافظين فيما تشمل مجموعة المشككين الجناح التقليدي بين المحافظين والعديد من الديمقراطيين الاشتراكيين والاتحادات العمالية الكبيرة.

ومثل هذه الاتحادات، ومعظم أعضائها من الذكور، التي تتمتع بوظائف دائمة في الصناعات الثقيلة تقوم بادارة صناديق البطالة ولا تريد أن تفقد السيطرة ولذلك فإن هذه الاتحادات تعارض فكرة الدخل الأساسي، بحسب كانغاز. وعلى العكس من ذلك فإن الفكرة تحظى بقبول وتأييد من جانب اولئك الذين يمثلون خدمة العمل الاضافي، وتشمل هذه الشريحة عاملات التنظيف أو عمال التجزئة. وهو يقول أيضاً إن الدراسات تظهر أن ثمة تغيراً في آراء العامة: 70 في المئة يحبون الفكرة من وجهة نظرية، ولكن تلك النسبة هبطت إلى 35 في المئة عندما تم إبلاغ من شملتهم الدراسة بأن ضرائب الدخل العالية جداً في الأساس يجب أن ترتفع من أجل التنفيذ.

قيود التصميم

وقد تعرض تصميم الدراسة الى قيود ومنها على سبيل المثال صعوبة الحصول على تراخيص من أجل توفير معاملة خاصة للمستفيدين من الرعاية، وتجدر الإشارة إلى أن ذلك التحديد إضافة الى وجود ميزانية من 20 مليون يورو فقط قد قلصت الحجم الى 2000 شخص، ويقول كانغاز إن ذلك قد يثبت أنه قليل جداً من أجل إضفاء سمة القوة الاحصائية.

ويريد كانغاز اجراء تجربة مماثلة على شريحة من ذوي وظائف الدخل المتدني من أجل معرفة ما اذا كانوا يختارون العمل لساعات أقل على سبيل المثال. ويشكل الجدول الزمني صعوبة اخرى، وتقول كيت ماك فارلاند من شبكة الدخل الأساسي التي عملت على الترويج لفكرة الدخل الأساسي منذ ثمانينيات القرن الماضي إن فترة الدراسة التي تستمر لعامين فقط تعتبر قصيرة جداً من أجل معرفة كيفية تغير الجوانب النفسانية لدى المستفيدين.

نموذج جيد

ومهما كانت الثغرات والأخطاء فإن هذا المشروع الرائد نموذج جيد من أجل التجارب الاجتماعية في فنلندا، وسوف تتم متابعة المشاركين مدة عشر سنوات من أجل تحديد التأثيرات الطويلة الأجل. وكان الاهتمام الدولي بالبرنامج الرائد كبيراً، وخلال يونيو الماضي حاولت محطات التلفزيون في كوريا الجنوبية والسويد اجراء مقابلات مع كانغاز الذي يقوم بشكل منتظم بالقاء محاضرات في الخارج وتوجيه النصح والمشورة الى الآخرين حول دراسات مماثلة وهو يقول إن "هذه عملية تجربة وخطأ، وقد أصبح الباب مفتوحاً الآن من أجل اجراء تجارب أفضل".