«High Light»: خوارزمية الأمن
ذكر روبرت ماكنامارا وزير الدفاع الأميركي في كتابه «جوهر الأمن» في ستينيات القرن الماضي «أن الأمن ليس هو المعدات العسكرية وإن كان يضمها، وليس القوة العسكرية وإن كان يشملها... إن الأمن هو التنمية، ومن غير تنمية لا يمكن أن يوجد أمن، والدول النامية التي لا تنمو في الواقع لا يمكن ببساطة أن تظل آمنة».ولنا في ثورات الربيع العربي دليلٌ وعبرة؛ حينما حصرت هذه الدول مفهوم الأمن في النشاط العسكري، في مقابل تعطُّل التنمية لديها بشكل شبه كامل؛ لذلك حدثت تلك الفوضى العارمة في الوطن العربي، فلا الأنظمة لديها خطة أمنية؛ ولا من قاموا بتلك الثورات لديهم الوعي الكافي، وهذا ما جعل مفهوم الأمن القومي يطرح الآن في إطار مجتمعي شامل لا كقضية تتعلق بالمفهوم العسكري، الذي تعبر عنه القبضة الأمنية؛ والتي يجب أن تستبدل بالديمقراطية بما تحمله من قيم المساواة والعدالة الاجتماعية وتقبل الآخر والتعايش والمشاركة السياسية؛ والتي ستقود حتماً إلى توزيع عادل للثروة؛ حينها يصبح الهاجس الأمني واجبا مجتمعيا؛ فالجميع يتحمل مسؤولية المشاركة فيه حاكماً ومحكومين، وبمعنى أدق يصفها أحد أكبر علماء الاجتماع بأنها «قدرة الأمة والدولة على حماية قيمها الداخلية من التهديد»؛ أي قدرة الدولة على معرفة المصادر التي تهدد مختلف قدراتها ومواجهتها، لإعطاء الفرصة لتنمية تلك القدرات تنمية حقيقية في كل المجالات سواء في الحاضر أو المستقبل، وهذا ما قصده بالفعل «ماكنامارا».وبهذا المعنى تعلو قيم الفضيلة أمام قيم الفساد؛ المنتشرة وبشكل مخيف في المجتمع الكويتي، فالمال العام أصبح مشاعاً للجميع يلعب فيه القاصي والداني، حتى وصل إلى أيدي الوافدين، وكل فترة تطالعنا الأخبار عن مبالغ كبيرة طار بها أحد الوافدين، وهذا الوضع يعتبر تهديداً للأمن الوطني؛ لذلك على وكلاء الأمة تحمل مسؤولياتهم، ولاسيما في اتجاه تجفيف منابع الفساد بضرب رأس الأفعى؛ وذلك بإصدار تشريعات أهمها على الإطلاق، معايير اختيار القيادي، لتختفي تعيينات المحاصصة القبلية والطائفية والفئوية ويحل محلها الكفاءة والنزاهة... إلى غير ذلك من معايير تسمح بدخول شباب الكويت المخلصين إلى كل المجالات، ولاسيما الحساسة منها التي تكون محصورة في فئة معينة؛ كذلك إصدار تشريع استقلالية القضاء ومخاصمته، وإلغاء قانون الوكيل الذي أضر بسمعة الكويت الاقتصادية، فضلاً عن تحميله المال العام عبئا إضافيا؛ ليدخل الشريك الأجنبي بكل أريحية في المساهمة بمشاريع الكويت الحيوية.
ختاماً: الواقع المحزن هو أننا في الكويت لم نصل إلى صياغة مفهوم محدد للأمن الوطني، يواكب التحولات المجتمعية وأثرها في النسق القيمي للشباب الكويتيين؛ فأصبح الشباب جاهزين لاكتساب قيم الخارج السلبية، والخطورة تكمن في قيم التطرف «الداعشية» التي تنشط من خلال استقطاب شبابنا عبر الشبكة العنكبوتية، وما نتج عنها من وسائل تواصل اجتماعي. ودمتم بخير.