ما الألم؟ ما أنواعه؟ هل يقاس بحرارة الدم أثناء الانفعال؟ هل يُكشَف من ألوان المغنطة في المخ؟ هل يعرف من نسبة ضخ الهرمونات بالمليلترات؟ أراد الأطباء كشف ماهية الألم، الذي عرفه أهل اللغات بأنه شعور بالانزعاج فحسب، فأدخلوا رأس متطوع في جهاز الرنين المغناطيسي لكشف كهروكيمياء دماغه أثناء وخزه بإبرة ليقرأوا نشاط دماغه و هو يحس بالألم. نقل الجلد السيال العصبي إلى المخ ليبتدأ بوشوشاته الكهربائية وتلوناته الهرمونية ليخبر المتطوع بأنه تألم، وفي هذه المرة حسبوا بجزء من النانوثانية الفترة الزمنية بين الوخزة واستجابة الجلد إلى فترة إصدار النبضة العصبية للدماغ إلى فترة استيعاب الدماغ للمؤثر إلى فترة استجابته، فسأل أحدهم سؤالاً أفسد التجربة، وهو «كيف شعرت النفس ذاتها بتلك العمليات الحيوية؟».
فما الذي يكون بين الدماغ وذاك الغيب؟ أهي الروح التي تتألم؟ أهي النفس؟ وكذلك نطرح السؤال ذاته حينما نوجه أذهاننا إلى قراءة الآلام غير الحسية مثل الآلام السيكولوجية، ونحاول قياسها، فالآهات العاطفية الناتجة عن الشتيمة أو خبر خسران المنتخب المصري قمة إفريقيا مثلاً، تعادل في أوجاعها الألم الحسي في تفاعلات الجهاز العصبي، من سرعة نبضات القلب أو احمرار الوجه أو قصور التنفس. استنتج الباحثون أن شعورنا بالألم النفسي هو استجابة لخطر أدركته النفس على مكانتها الاجتماعية، فلا تريد لامتيازات أن تسلب، وهذا ما يفسر استهتار أصحاب الثراء الفاحش بقيم المجتمع، ولذلك تشفرت أدمغة جميع الخلائق الاجتماعية من ثدييات وزواحف وطيور بذاك التشابك الوطيد والأصيل بين الغدد والأعصاب مع الأحوال النفسية والأوضاع الاجتماعية. والحكمة الربانية من شعورنا بالآلام المجتمعية مثل الخزي والإحراج، هي حثنا على اتخاذ مظهر ذي هيبة وعزة يذود عنا قهر الرجال ويقوي فينا سمة النفوذ داخل المجتمع وإمضاء إرادتنا، أما الآلام الحسية فما هي إلا مؤشرات لكشف الأخطاء، فحبوب مسكنات الصداع شرها أكثر من خيرها، لأنها تكبت إشارة الخطر ولا تشفي المرض، وهنالك مرضى لا يريدون العافية، هم العشاق، فماذا عن آلامهم؟الطبيب سيجعل مجنون ليلى يبرأ ويتوب، إذا نزع منه هرموناً واحداً فقط يسمى «فينلين إي ثلامين»، وهو الهرمون الذي يعطي للمرء حالة الثمالة العاطفية جاعلة إياه منتشياً ومسرورا، لأن دماغه أدمن هذا الهرمون، خصوصا أن ذاكرته ممتلئة بموشحات وأهازيج وأناشيد ومعلقات منحته تصرفات العتة كقوله: أمرُّ على الديارِ ديارِ ليلىأُقبِّل ذا الجدار وذا الجدارا وما حبُّ الديار شغفن قلبيولكنْ حبُّ مَن سكن الديارافلماذا لم تسلم حتى الجدران من شره؟ لأن من طريف الظروف أن ذاك الهرمون يتفاقم في حالة الشك، بمعنى أن ألم العشاق الناتج من شكهم في ما إن كان معشوقهم سيرد عليهم أم لا، يرفع إنتاج ذاك الهرمون، وهو تحفيز رباني لئلا نسأم الزواج، فإن التفتت ليلى إلى مجنونها ولطمته، ضخ مخه بزيادة قوية جداً!فالآلام جمال وفتنة، وكيفما كان نوعها فكلها يفرز به الإنسان هرمون الأندروفين الذي يجعل الإنسان في حالة مشابهة للمخدرات لأنه مسكن للآلام ومانح للشعور بالارتقاء عن المزاج اليومي الروتيني، لذلك نجد العشاق يهجرون، ومبتدعي الديانات يعذبون أنفسهم ولا يصدقون برحمة الإله وعفوه عنهم، وما هذا إلا لجمال الآلام.
مقالات - اضافات
جمال الآلام
01-07-2017