دور الانعقاد الأول... خسارة نيابية وانتصار حكومي بطعم الهزيمة
النواب تنازلوا عن الإصلاحات السياسية والاقتصادية والوعود الانتخابية
• «عودة الجناسي»... هل يُستخدَم في مساومات دور الانعقاد المقبل؟
فض مجلس الأمة دور انعقاده الأول دون تحقيق نتائج "إيجابية" في ملفَي الإصلاحات السياسية والاقتصادية، كما ظل ملف الرياضة معلقاً محلياً ودولياً رغم الاستجواب الذي قُدِّم لوزير الإعلام وزير الشباب السابق الشيخ سلمان الحمود وانتهى باستقالته.أسئلة عدة تدور اليوم في المشهد السياسي بعد جلسة الختام ومراجعة أعمال السلطتين خلال ستة أشهر من عمر دور الانعقاد الأول، في مقدمتها: هل انتصرت الحكومة في الجولة الأولى أم أن النواب، بعد وصولهم إلى المجلس، غيروا بوصلة وعودهم الانتخابية، أم أن ظروف "المصلحة" أو "المصالحة" كما يصفها البعض، بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لاسيما فيما يتعلق بـ"عودة الجناسي" المسحوبة، فرضت على النواب هدنة تشريعية ورقابية؟ وكيف سيكون شكل العلاقة بين السلطتين في دور الانعقاد المقبل؟يرى مراقبون أن الحكومة انتصرت في حماية كيانها من السقوط، ولكن هذا الانتصار جاء بطعم الخسارة، إذ اضطرت إلى التنازل عن كثير من الملفات لتجنب التصعيد النيابي؛ فتشكيل لجنة لنظر عودة الجناسي، وإعادة بعضها في الدفعة الأولى يمثلان تراجعاً عن موقف سابق، كما أن إقرار كادر "المعلمين" في وزارتي الأوقاف والتربية يعتبر "ردة" عن نهج وقف الكوادر والبدلات المالية.
ويضيف هؤلاء أن تعديل قانون الحدث وإعادة سنه إلى 18 عاماً، بعد أن خُفِّض في المجلس الماضي إلى 16 عاماً برغبة واندفاع حكومي، هو تراجع في الموقف، لا إصلاحٌ لتشريع خاطئ، إذ إن الحكومة لم تقر إلى اليوم بخطئها في التعديل، ولم تحاسب أحداً على سوء الاستشارة والقرار.غير أن الحكومة عوَّضت جزءاً من خسائرها بتحقيق الحماية النيابية لسمو رئيس الوزراء، الذي تمكن من عبور استجوابين في دور الانعقاد الأول بـ"أريحية" دون أن يتمكن المستجوبون من الحصول على العدد اللازم لتقديم كتاب عدم التعاون مع سموه.كذلك، فإن ملفات سياسية مثيرة للجدل لم تحظَ بحماس النواب أسوة بحماسهم الانتخابي، علماً بأن بعضها أُقر في المجلس الماضي في غضون 24 ساعة، مثل قانوني "حرمان المسيء" و"البصمة الوراثية"، وكذلك وثيقة الإصلاح الاقتصادي والمالي بما تضمنته من زيادة أسعار البنزين والكهرباء والماء.ولعل سقوط تعديل قانون المحكمة الإدارية لنظر دعاوى سحب الجنسية وقانون العفو العام يعد من أهم الانتصارات الحكومية. أما في الجانب النيابي، فهناك شبه اتفاق على فشل دور الانعقاد الأول في تحقيق مكاسب تشريعية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك تفاوتاً في تقييم أولويات القضايا المطلوب إقرارها أو تعديلها، وفي كل الأحوال فإن الرضا النيابي والشعبي شبه معدوم مع نهاية دور الانعقاد الأول.القضايا السياسية والاقتصادية التي "تسيَّدت" المشهد الانتخابي ظلت تراوح مكانها بين اللجان البرلمانية، وأبرزها تعديلات قانون الانتخاب "الصوت الواحد"، و"حرمان المسيء"، و"البصمة الوراثية"، وزيادة أسعار البنزين والكهرباء والماء، والوثيقة الاقتصادية. وتلك القضايا تحديداً كانت أهم الأسلحة التي استُخدِمت ضد المجلس السابق باعتباره مشرعاً لها، ومن أبرز الأسباب التي تحجج بها بعض النواب لعودتهم من ملعب المقاطعة إلى المشاركة.ولم يمارس النواب في المجلس الحالي لعبة الأرقام لعدد التشريعات المُقرة، التي طالما كانت جزءاً من المجالس الأخيرة، وإحدى أدوات تفضيل أداء كل مجلس على الآخر، وهو مؤشر على عدم وفاء النواب بوعودهم الانتخابية، وفقر دور الانعقاد الأول بالإنجازات التشريعية، علماً بأن المجلس الماضي المنحل رغم غزارة تشريعاته فإن أكثر من نصف أعضائه سقطوا في الانتخابات، ولم تخدمهم بسبب نوعيتها.ولكن هل "عدم الرضا" النيابي حقيقي أم مصطنع أمام الشارع العام؟ هذا التساؤل يُطرَح مع العودة إلى ملفات القضايا التي ذُكِرت سلفاً، فجدية طرح القضايا السياسية والاقتصادية لم تكن بقوة الملفات الشعبوية القائمة على توزيع الكوادر والبدلات، كذلك فإن بعض القوانين يبدو أنه في طريق أسوأ مما هو عليه حالياً مثل قانون "حرمان المسيء"، الذي سار باتجاه زيادة عدد الحالات المحرومة من الترشح والانتخاب، بدلاً من إلغاء ما تمت إضافته إليه.ونرى أن قانون "الصوت الواحد"، الذي أدخل البلاد في نفق من الأزمات المتتالية، أصبح واقعاً مقبولاً لدى الجميع رغم السلبيات التي تُذكَر في الإعلام، من ترسيخه للعمل الفردي الطائفي. وليس بعيداً عن كل تلك الملفات، زيادة أسعار الكهرباء والبنزين والوثيقة الاقتصادية، وهو الملف الذي دق المسمار الأخير في نعش المجلس المنحل، إذ لاتزال الزيادة قائمة منذ نوفمبر الماضي.وهناك، من النواب، من يطرح رأياً بأن تلك الملفات مؤجلة إلى حين الانتهاء من ملف عودة الجناسي، ولكن ماذا إذا تراجعت الحكومة عن موقفها من الجناسي، لاسيما أن الاجتماع الأخير للجنة النظر في عودتها شهد موقفاً حكومياً لافتاً إذ رفضت معظم الملفات، واستخدمت ما تبقى من ملفات في "لجنة الجنسية" لتجاوز دور الانعقاد المقبل، وساومت من خلاله على حساب الاستحقاقات النيابية الأخرى، كما حدث في الدور الماضي؟ خصوصاً بعد أن شكل المجلس لجنة برلمانية للنظر في محاور استجوابَي رئيس الوزراء اللذين يتضمنان هذا الملف.يمكن القول إن أداء دور الانعقاد الماضي تميز بترحيل القضايا الشائكة إلى الأمام، وتنازلت فيه كل من السلطتين عن الاستحقاقات الواجبة عليها تجاه الدولة، فلا الحكومة، على سبيل المثال، أعادت طرح مشروع البديل الاستراتيجي للرواتب وطورت وثيقتها الاقتصادية، ولا المجلس تعامل بجدية مع الإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة منه.شراء الوقت عبر ترحيل تلك الملفات الشائكة والمصيرية بالنسبة إلى الدولة والشعب، ستكون نتائجه مكلفة على السلطتين متى ما تراكمت وأصبحت أشبه بألغام قد تنفجر في أي لحظة، وليس المقصود هنا أن نتائجها ستكون وخيمة على الحكومة والمجلس، بل على الدولة وديمومتها.