من أهم مقومات حضارة الأمم اللغة التي تجتمع حولها الأمة وتستخدمها كأداة تواصل أولا وهوية المتحدث ثانيا. ورغم أن لغتنا العربية الأم تعاني سطوة اللهجات المحلية واقتصار استخدامها في المكتوب أكثر من المنطوق، فحتى الإعلام يقدم برامجه، عدا النشرات الإخبارية، باللهجة المحكية. ولهذا المكتوب صحافة وأدبا الفضل الأكبر في الحفاظ على اللغة الأم. ولم تعد تلك مشكلة وتقبل الجمهور هذه اللهجة المستمدة أغلب ألفاظها من العربية الأم، والتي أصبحت مفهومة نوعا ما عدا بعض الاستثناءات.

اللهجة المحكية دخلت الكتابة الإبداعية في الحوارات التي يرى فيها الكاتب أنها تمثيل للواقع بينما يرى آخرون أنها تقويض لقوة اللغة الفصحى وبداية تراجعها. ومهما كان الأمر فإن الكتابة باللهجة المحكية اقتصرت في الحوارات وليس في السرد، وهي بالتأكيد لهجة الناس في الحياة العامة، ولكن هذه اللهجة بدأت بغزو غريب من كلمات أجنبية ومن الإنكليزية بالذات يتم تحويرها واشتقاقها وكأنها كلمات عربية. وكأن ذلك التحوير في الكلمات الأجنبية وإعطائها التصريف العربي للأفعال هو دلالة من دلالات الثقافة، علما بأن المخاطبين على درجة كبيرة من الجهل بلغتهم الأصلية، فضلا عن اللغة الأجنبية.

Ad

لا أجد شخصيا أي تقبل لاستخدام كلمات أجنبية وتحويلها إلى أفعال عربية أو محلية، خاصة أن اللهجة المحلية واللغة العربية تحمل ما يكفي من ألفاظ تنوب عنها. ربما أتفهم أن نستخدم كلمة أجنبية في حوارات خاصة حين يصعب وجود بديل لها في اللغة العربية، وبدأت هذه الكلمة هي الكلمة المتداولة الوحيدة، مثل كلمة سينما أو فيديو دون أن تأخذ هذه الكلمات تصريفات واشتقاقات. أما الخطورة فتكمن في تحويل لهجتنا، ومن ثم لغتنا الأم، إلى استخدام بديل ما هو متوافر فيها من عبارات. فعنوان المقال أعلاه هو نقلا عن حوار درامي "أوفرت"، كلمة اشتقت من كلمة "أوفر" الأجنبية، وكان بالإمكان استخدام لفظ بالغت في الموضوع دون أن ينتقص ذلك من ثقافة الكاتب أو الشخصية التي استخدمت اللفظ. الأكثر إزعاجا هو تحويل الكلمة الأجنبية إلى فعل عربي مثل "حتفوكس" كما يستخدمها الإخوة المصريون في حواراتهم الجديدة، مع أن البديل العربي أكثر جمالا محليا وعربيا، وكلمة "نركز" لا تسقط أيضا من ثقافة المتحدث.

هذه الظاهرة القميئة ستنتشر بسرعة خصوصا بعد دخولها المجال الإعلامي والدرامي، وهو المجال الأكثر تأثيرا في الشباب، حينها لن تعاني اللغة العربية الاغتراب، ولكن اللهجة المحلية التي تم قبولها بشكل أو آخر. سيتم إدخال المزيد من هذه الكلمات الأجنبية إلى اللهجات العربية خاصة المصرية والخليجية، وهي اللهجات الأكثر تبادلا. وربما تدخل هذه الكلمات في حواراتنا الروائية، واعتبار ذلك واقعيا بعد دخولها أعمالنا الدرامية. اللغة العربية لغة غنية جدا ولغة شعرية وقابلة للتطور من داخلها وليس من خارجها، وذلك بالتأكيد بحاجة إلى عبقري كشكسبير في الإنكليزية.