تحت عنوان «كل شجرة هي أغنية» ، تنظّم غاليري «أليس مغبغب» المعرض الثالث في سلسلة Correspondances (4 يوليو- 5 أغسطس) الذي يجمع بين قصائد الشاعرة اللبنانية باللغة الفرنسية إيتل عدنان وصور فوتوغرافية للفنانة هدى قساطلي، ويتمحور حول التحذير من مغبة الاستمرار في قطع الأشجار في لبنان التي تعتبر ثروة وطنية وتراثية يجدر الحفاظ عليها. يذكر أن قصائد عدنان مستوحاة من الصور الفوتوغرافية، وهي تقدّم للمرة الأولى.

للبنان علاقة وطيدة مع الشجرة تعود إلى آلاف السنوات، فإلى جانب كونها تتوسط علمه (قلة من البلدان يضمّ علمها شجرة)، تزخر بمعانٍ كثيرة وتتخذ طابع الخلود.

Ad

يشكِّل معرض هدى قساطلي استمرارية للقضية التي تكرس عدستها من أجلها وهي التحذير من التمادي في هدم بيوت بيروت التراثية، التي بدأت ورشة إزالتها في تسعينيات القرن الماضي وتفاقمت في 2011- 2012. الأمر ذاته ينطبق على الأشجار التي تتعرض لقطع بهدف بناء مراكز تجارية وابنية ضخمة، ما يضعف التنوع البيئي في لبنان. استكمالاً لرسالة المعرض، سيبث خلاله فيلم «الرجل الذي كان يزرع شجراً» المقتبس من رواية جان جيونو.

تهدف سلسلة Correspondances إلى إقامة علاقة بين الشعر والفنون التشكيلية والبصرية، وما اختيار إيتل عدنان وهدى قساطلي إلا لأن الاثنتين تلتقيان على قاسم مشترك هو حب الوطن ورفع الصوت عالياً للحفاظ على تراثه. تقيم هدى قساطلي في بيروت، فيما تقيم إيتل عدنان في الخارج، ويشكل المعرض التعاون الأول بينهما.

رغم أن التصوير الفوتوغرافي لم ينل في لبنان الاهتمام الذي يستحقه، إلا أنه لا يقلّ أهمية عن الرسم التشكيلي والنحت والفنون البصرية، ومن الملاحظ في السنوات الأخيرة إقامة علاقة وثيقة بين هذه الفنون، من خلال تبادل الإلهام بين الصور الفوتوغرافية والكتاب والشعراء والموسيقيين والعكس صحيح أيضاً.

تعتبر إيتل عدنان من أبرز الشعراء اللبنانيين الذين اتسعت شهرتهم في أنحاء العالم، فيما هدى قساطلي متخصصة في علم الأجناس والإتنيات، كرست كاميرتها لرصد التشوه الحاصل للتراث في لبنان، ومحاولات طمسه من خلال إزالة كل ما يمت إليه بصلة من بيوت وقصور وعادات وتقاليد، فضلاً عن تفاعلها مع قضايا عصرها.

«الحنين إلى المنزل»

ينظم «متحف سرسق» في بيروت المعرض الفردي الأول في لبنان للفنّان الأرمني السوري هراير سركيسيان بعنوان «حنين إلى المنزل» (6 يوليو- 2 أكتوبر).

غالباً ما تستند أعمال هراير سركيسيان إلى علاقاته الشخصية بالجغرافيات والأشخاص. تتيح الصور الفوتوغرافية المشغولة بعناية، التي التُقِطت بمعظمها بواسطة كاميرا كبيرة، انخراطاً أعمق مع المشهد، ما يُفضي إلى انكشاف بطيء للتفاصيل المعبِّرة، وبالتالي استحضار حكايا حُذِفَت من الذاكرة وأماكن منسيّة. ينشغل سركيسيان بالحكايات الصغيرة، إنها قصص يومية غالباً ما تختفي من دون احتفال أو تحسُّر.

يطبع هذا المعرض خوض سركيسيان غمار الصورة المتحرِّكة، المشغولة بالمهارة الحرَفية المتأنّية نفسها التي تتجلّى في صوره الفوتوغرافية كبيرة الحجم. يسلّط تجهيزا الڤيديو، «الحنين إلى المنزل» (2014) و«أفق» (2016)، الضوء على المسارات التي سلكها الفنان في إطار ردود فعله على الحرب في سورية.

في «الحنين إلى المنزل» ، يصوّب سركيسيان العدسة مجدداً نحو نفسه، فيظهر وهو يدمّر منزل الطفولة في دمشق، حيث لا يزال أهله يُقيمون. نحن أمام نسخة طبق الأصل عن المبنى، مشغولة بتأنٍّ مع عناية بالتفاصيل، ومصنوعة من الإسمنت والمعدن، تتداعى رويداً رويداً فيما نرى الفنان يسدّد ضربات متكررة إلى غرض موجود خارج إطار الشاشة، ولا يتوقف إلا لالتقاط أنفاسه أو إزاحة بعض الركام.

لم يتمكّن سركيسيان، الذي غادر دمشق عام 2008، من العودة إليها. يجسّد تدمير المبنى المستنسخ عن منزل الطفولة، نوعاً من الترويح عن النفس، واستعادة القدرة على الفعل، بحيث تبادر أنت إلى التدمير قبل أن يدمّرك الآخرون.

«أفق» تأمّل بصري في الرحلة المحفوفة بالمخاطر بحراً التي غالباً ما يُضطَرّ الهاربون من النزاعات إلى القيام بها. يسلّط الڤيديو الضوء على مسار الرحلة عبر واحدة من أقصر الطرقات التي تشهد أكبر حركة نزوح، من كاس على الشاطئ التركي الجنوبي الغربي، مروراً بمضيق ميكيل، وصولاً إلى جزيرة ميغيستي في أقصى الجنوب الشرقي لليونان. يطبع ذلك، بالنسبة إلى كثيرين، بداية رحلة أشد خطورة تقودهم نحو حياة اللجوء التي لم يعتادوها قبلاً، والتي تُعرِّضهم لهشاشة وعدم استقرار.

ينقل العملان معاً شعوراً بالخسارة والخوف. خسارة الأرض الراسخة، والمنزل وما هو مألوف، مقرونةً بالخوف مما يحمله الآتي من الأيام.

هراير سركيسيان

ولد هراير سركيسيان في دمشق عام 1973، تلقّى تدريبه التأسيسي في استوديو التصوير الخاص بوالده في دمشق. تابع تحصيله العلمي في الكلية الوطنية العليا للتصوير في أرل، فرنسا. نال عام 2010 إجازة بالتصوير في أكاديمية «جريت ريتفيلد» في أمستردام، هولندا. تتمحور أعماله حول الذاكرة والهوية سواء لدى الفرد أو الجماعة.

في صوره الفوتوغرافية حول البيئات والمشاهد المدينية، يستخدم تقنيات وثائقية تقليدية لإعادة تقويم سرديات تاريخية أو سياسية أو اجتماعية أوسع نطاقاً.

عُرِضت أعماله في الفترة الأخيرة في: مركز بالتيك للفن المعاصر (نيوكاسل، المملكة المتحدة)؛ كولتور سنتروم رونبي (السويد)؛ باماكو إنكاونترز في دورته العاشرة (مالي)؛ معهد كيه دبليو للفن المعاصر (برلين، ألمانيا)؛ الجناح الأرمني الحائز جائزة الأسد الذهبي في بينالي البندقية؛ متحف فولكفانغ (إسن، ألمانيا)؛ موزاييك رومز (لندن، المملكة المتحدة)؛ تايت مودرن (لندن، المملكة المتحدة)؛ المتحف الجديد (نيويورك، الولايات المتحدة)؛ ودارة الفنون (عمان، الأردن).