يرتكز المخطط الصهيوني الذي يحاول نتنياهو تنفيذه في الأراضي المحتلة، والذي عملت على إعداده وتطبيقه كل الحكومات الإسرائيلية السابقة، على أربعة أمور:

أولا: نشر الاستيطان غير الشرعي، في كل أنحاء الضفة الغربية والقدس ومحيطها، بهدف تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية وتغيير طابعها، وتسعى إسرائيل عبر توسيع مستعمرة معاليه أدوميم في الوسط وغوش عتصيون في الجنوب ومستعمرات نابلس في الشمال إلى تجزئة الضفة الغربية إلى ثلاث قطع منفصلة، مع توسع استعماري رهيب في الأغوار لتهويدها بالكامل وجعلها قطعة رابعة متصلة بإسرائيل. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن وتيرة الاستيطان منذ انتخب الرئيس ترامب قد ارتفعت بنسبة 70% عن السابق.

Ad

ثانيا: فصل الضفة والقدس عن قطاع غزة بالكامل، وكل إجراءات إسرائيل المتصاعدة منذ وقع اتفاق أوسلو عام 1993، وخصوصا بعد فرض الحصار الشامل عام 2006، موجهة لخلق واقعين منفصلين وتكريس الفصل الكامل بين المنطقتين، كأحد عوامل منع قيام دولة فلسطينية مستقلة وأحد أهم عوامل إضعاف العامل الديمغرافي. وكل سياسات إسرائيل وأعوانها الموجهة لتغذية الانقسام بين فتح وحماس، وإفشال كل جهود المصالحة موجهة كذلك لتحقيق ذات الهدف.

ثالثا: إضعاف حركة التحرر الوطني الفلسطينية، وتحويل معظم مكوناتها إلى هياكل سلطة ما زالت تحت الاحتلال، ثم محاولة إضعاف السلطة نفسها تمهيدا لتجزئتها إلى سلطات محلية مقسمة، وهذا الهدف لا يخفيه وزراء إسرائيل، بل يتحدثون عنه مع ممثلي الدول المختلفة، ومن يريد التأكد من ذلك يستطيع.

رابعا: ممارسة إحباط مسبق لاحتمال أن يعلن الفلسطينيون، في ظل تدمير خيار الدولة الفلسطينية المستقلة، العودة إلى هدفهم الأصلي بالمطالبة بالدولة الديمقراطية الواحدة والحقوق المتساوية، من خلال فصل السكان الفلسطينيين عن الأرض، والحديث عن إلحاق سكان الضفة الغربية بالأردن وسكان قطاع غزة بمصر، أما الأرض فتصبح إسرائيلية ويصبح أهلها الفلسطينيون ضيوفا غرباء غير مرغوب بهم فيها. الحديث الذي تكرر مرارا على لسان أكثر من مسؤول إسرائيلي، عن إلحاق أهل الضفة، لا الضفة نفسها، بالأردن، وقطاع غزة بمصر ليس جديدا ولكنه خطير في ظل الحديث عن مبادرات جديدة لإدارة ترامب، وفي ظل محاولات إسرائيل قلب المبادرة العربية على رأسها وتقديم التطبيع مع الدول العربية على تلبية الحقوق الفلسطينية بل دون تلبيتها، والهدف هو تحويل قضية الشعب الفلسطيني من مشكلة احتلال واستيطان، واستعمار، وأبارتهايد إسرائيلي، إلى مشكلة عربية.

سبق لمناحيم بيغن وشارون وكل أركان الليكود أن تحدثوا عن الأردن كوطن بديل للفلسطينيين، وقد فشل ذلك المخطط سابقا، لكن المحاولات الجديدة أخطر بكثير. ولا بد من التصدي لها ليس فلسطينيا فقط بل عربيا أيضا، وخصوصاً من الدول التي تريد إسرائيل زعزعة استقراراها، أي الأردن ومصر. ولا بد للدول العربية كافة أن تصد محاولات التطبيع، وأن تضع حدا بصورة جماعية لمحاولات إسرائيل تحريف وتشويه المبادرة العربية ووضع العرب في تعارض مع الفلسطينيين بدل أن يكونوا داعمين لقضيتهم. أما على الصعيد الفلسطيني، فلا بد من وقفة حازمة، وسريعة تقدر خطورة ما تحاول حكومة نتنياهو تنفيذه، وخصوصا في ضوء تعاظم القناعة الشعبية، بعدم جدوى المراهنة على المفاوضات في ظل الاختلال القائم في ميزان القوى وحالة الانقسام الخطيرة التي يعاني آثارها الشعب الفلسطيني.

فليس هناك أمر أهم وأكثر إلحاحا الآن من إنهاء الانقسام القائم، وإنشاء قيادة وطنية فلسطينية موحدة، ببرنامج وطني واستراتجية موحدة، ولو اقتضى الأمر الدفع في اتجاه حراك شعبي واسع يضغط لإنهاء الانقسام واستعادة الديمقراطية المفقودة، بما في ذلك إجراء انتخابات ديمقراطية تعيد الاعتبار لرأي الشعب الفلسطيني، الذي يتحدث الجميع باسمه ونيابة عنه.

وليس الأمر معقدا إن توافرت النوايا، فقد تم التوافق في اجتماع بيروت قبل أربعة أشهر على تشكيل حكومة وحدة وطنية، تعمل على توحيد المؤسسات في الضفة والقطاع، وتعد لإجراء انتخابات ديمقراطية على أن يترافق ذلك مع انضواء جميع القوى في منظمة التحرير الفلسطينية تمهيدا لعقد مجلسها الوطني.

هناك هاوية سحيقة تحاول حكومة إسرائيل دفع الشعب الفلسطيني والمحيط العربي إليها، والأمر أخطر بكثير مما يظن معظم المستكينين إلى رتابة الوضع القائم.

وما يجب أن يدركه الجميع، أن الكارثة إن حدثت فإنها لن تستثني أحدا، ولن ينفع الندم أحدا بعد فوات الأوان.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية