تنتظر الصالونات السياسية العراقية انعقاد مؤتمر للعرب السنة بنحو متزامن في بغداد وأربيل، منتصف الشهر الجاري، ويتميز عن غيره من اللقاءات بأنه ينظم عقب تطورات مهمة شهدتها الأسابيع الماضية، فهو أول لقاء للقوى السنية يعقب انتهاء دولة «داعش» في الموصل، وأول لقاء بعد الزيارة الأولى لرئيس الحكومة حيدر العبادي للرياض، والموصوفة بالناجحة، وأول مؤتمر شامل لممثلي المناطق المحررة من «داعش» يعقد في العراق.

وواجهت القوى السنية اتهامات بأنها تنظم لقاءات خارج البلاد «برعاية مخابرات معادية»، لذلك حرصت هذه المرة على عقد المؤتمر في بغداد، وسيعقد نصفه الآخر في الوقت نفسه في أربيل، ليسمح لمعارضين بارزين بالمشاركة، حيث لم تحسم العاصمة العراقية ملفات القضاء التي تلاحقهم، ومعظمها يعود إلى مرحلة «الملفات الكيدية» التي شهدها عهد نوري المالكي رئيس الحكومة السابق الذي كان رافضاً للحوار.

Ad

ويركز المؤتمر، حسب أبرز منظميه، على وضع قواعد للتفاوض مع بغداد بشأن مستقبل إدارة المناطق المحررة من «داعش»، سياسياً وأمنياً، لذلك فإن هذا الحدث لن يهدف إلى لملمة الانقسام السني العميق بقدر ما تلتقي فيه جميع الأطراف لصناعة مظلة واسعة تصلح لدخول مفاوضات مع بغداد، التي تشتكي دوماً من عجزها عن الحوار مع جهة جامعة تمثل القوى السنية.

ومع ذلك فإن المراقبين يؤكدون أن الانقسام السني من شأنه عرقلة ظهور هذه المظلة، إذا لم يتوفر المستوى المناسب من «الرعاية الدولية والعربية»، التي يمكنها التدخل إيجابياً لبناء محور سني يمتلك اعترافاً و«حصانة» كالتي يتمتع بها المحوران الشيعي والكردي في البلاد، وتمثل نهاية «داعش» عاملاً حاسماً يشجع الداخل والخارج على بناء هذا المحور السياسي، لكي يقطع الطريق على عودة التمرد المسلح في المنطقة السنية، باعتبار العنف أسهل العوامل التي تملأ فراغ القيادة غرب البلاد وشمالها.

وانهمكت القوى السنية منذ 10 أشهر في لقاءات تمهيدية نظمتها مراكز أبحاث أوروبية، بحضور دولي واضح، في بلجيكا وتركيا والأردن، وحرصت على حضور أهم الأطراف، وبينها رئيس البرلمان سليم الجبوري، رغم تشنج علاقاته بأقطاب السياسة السنية مثل الأخوين أسامة وأثيل النجيفي، ووزير المال الأسبق رافع العيساوي، ورجل الأعمال خميس الخنجر، وهؤلاء مثلوا حجر الزاوية في صوغ العلاقة مع بغداد استقراراً وتوتراً طوال العقد الماضي.

كما تميزت تلك اللقاءات بأنها تتجنب إصدار بيانات حادة، إذ راحت تتمسك بهدوء واضح وتعترف بمرجعية دستور 2005 ، وتتشارك القلق مع حكومة العبادي بشأن مستقبل المناطق المحررة.

وستركز تلك القوى على وضع جدول حوار مع العبادي، أبرز بنوده ضرورة تفعيل النقاط اللامركزية في الدستور، ومنح الإدارة المحلية لتلك المناطق صلاحيات واسعة لتدبير شؤونها، بما يمنع ظهور أسباب التمرد المسلح مرة أخرى، ويبدو رئيس الحكومة وكثير من جناح الاعتدال الشيعي متفهمين بحذر لهذه المطالب، غير أن الأطراف المقربة إلى طهران بدأت حملة تشويش واضحة ترفض الحوار مع القيادات التقليدية السنية.

وعادة ما يحاول العبادي أن يتواصل سراً مع هذه الأنشطة السنية، ثم يرفض في العلن انعقادها خارج البلاد، لكن تنظيم الحوار في بغداد ونهاية دولة داعش، أمران سيمنحانه حرية أكبر للتعامل الإيجابي، فضلاً عن بيان أصدرته مرجعية النجف الدينية، أمس، حمل إشارات تحث على الحوار لمنع تكرار الخلافات التي استغلها التنظيم المتطرف بين 2013 و2014، ولعله ضوء أخضر يحث القضاء على إصدار قرارات تسمح بعودة معظم المعارضة السنية إلى البلاد.

ويبدو أن الانفراجة القوية بين الرياض وبغداد، والتي تمثلت في زيارة العبادي للمملكة، واتفاقه مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز على تأسيس مجلس تنسيقي أعلى بين البلدين، سيساهم في إعطاء دفعة للمؤتمر.