الجغرافيا السياسية المتغيرة للعاطفة الأوروبية
كَفَّت بريطانيا العظمى عن الشعور بأنها أرفع مقاما من فرنسا، وتوقفت فرنسا عن الشعور بأنها أقل مقاما من ألمانيا، والسؤال الآن هو ما إذا كان هذا التحول العاطفي كفيلا بإعادة ترتيب موازين القوى في أوروبا، وربما العالَم، في نهاية المطاف؟
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
واليوم، انتُزِعَت الثقة من بريطانيا بفِعل الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، والإرهاب، وعدم اليقين بشأن مستقبل البلاد. وتشير بعض استطلاعات الرأي إلى أنه في حين يتمسك أولئك الذين صوتوا للخروج البريطاني بقرارهم، فإن المشاعر المناهضة للاتحاد الأوروبي تراجعت، وانحسرت إرادة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن الناخبين يتصارعون مع الكيفية التي قد يجعل بها انسحابهم المملكة المتحدة أكثر أمانا أو كيف قد يلبي احتياجات الأكثر فقرا واحتياجا.وفي فرنسا، على النقيض من ذلك، يستشعر المرء طاقة جديدة وإيجابية، فقد عاد الأمل في مستقبل أفضل، وهو ما انعكس في تأييد الشعب الفرنسي الساحق لطلب باريس استضافة الألعاب الأولمبية الصيفية في عام 2024. قبل 12 عاما، في يوليو 2005، عندما مُنِحَت مدينة لندن امتياز تنظيم الألعاب الأوليمبية الصيفية في عام 2012، ساعدت استضافة الألعاب، التي تمثل رمزا عالميا للتوقعات الإيجابية، في رفع الروح المعنوية في المملكة المتحدة. (وإن كان الاحتفال لم يدم طويلا، بسبب الهجوم الإرهابي على شبكة النقل في لندن في اليوم التالي).بطبيعة الحال لا يعني التفاؤل الفرنسي أن أولئك الذين هُزِموا في صناديق الاقتراع لن ينزلوا إلى الشوارع احتجاجا، وخاصة في معارضة تنفيذ إصلاحات قوانين العمل الفرنسية. ولكن المعارضة الآن أصبحت أقلية في بلد حيث المزاج أكثر خفة، بل ربما حتى أكثر ابتهاجا. ويصدق هذا حتى إذا وضعنا في الاعتبار انخفاض إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة.يذكرني المزاج الحالي بالأجواء التي سادت لفترة وجيزة في فرنسا في يوليو 1998، بعد فوز فرنسا على البرازيل في نهائي كأس العالَم لكرة القدم، ولكن هذه المرة ربما يكون الشعور بالابتهاج أعمق وأطول أمدا، فالبيئة الاقتصادية في أوروبا أكثر محاباة، ويشهد ميزان القوى بين النقابات العمالية الفرنسية تحولا لمصلحة اتحاد العمال الديمقراطي الفرنسي الميال إلى الإصلاح، وبعيدا عن الاتحاد العام للعمال الأكثر أيديولوجية.ويعني اقتران موهبة الزعامة بالحظ الحسن المتواصل، للمرة الأولى في عقود من الزمن في فرنسا، أن التفاؤل الحذر ربما يكون مبررا. وفي إعادة صياغة مقولة المنظر السياسي الإيطالي أنطونيو جرامتشي: يستطيع المرء أن يتحدث عن "تفاؤل العقل" المبرر في فرنسا. فنتيجة لانتخاب ماكرون، وفشل رهان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي على تمكينها بفضل الانتخابات العامة المبكرة التي دعت إليها في وقت سابق من هذا الشهر من التفاوض على الخروج من الاتحاد الأوروبي من موقع قوة، بات تأثير فرنسا على اتجاه أوروبا الآن أقوى كثيرا من تأثير بريطانيا. والدولة الوحيدة بين "الدول الثلاث الكبرى" في الاتحاد الأوروبي التي ظلت مستقرة هي ألمانيا، في انتظار إعادة انتخاب المستشارة أنجيلا ميركل في سبتمبر. وتود إيطاليا لو تحل محل المملكة المتحدة في الثلاثي الأقوى في أوروبا، ولكن يتعين على إيطاليا أن ترتب أمورها في الداخل أولا، ومن الواضح أن رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي، الذي يحاول العودة إلى القمة، ليس ماكرون الإيطالي. أياً كان حجم مواهب وطاقات رينزي، فإنه يفتقر إلى جاذبية ماكرون وقدرته على فهم جمهور الناخبين.من ناحية أخرى يعني التوازن الجديد الأفضل بين ألمانيا وفرنسا تحقيق تقدم كبير على مسار تثبيت الاستقرار الأوروبي. فلم تكن مشكلة أوروبا، خلافا لمزاعم العديد من المنتقدين، "الكثير من ألمانيا"، بل كانت "القليل من فرنسا"، وعلى هذا فإن "اللحظة الفرنسية" ربما تُفضي إلى "لحظة أوروبية"، إذا كانت تعني إعادة تشكيل تحالف فرنسي ألماني فعّال.يتعين على الأميركيين أيضا أن يفهموا التحولات الجارية في أوروبا، فقبل بضعة أيام، في إطار مؤتمر دولي استضافته مدينة البندقية، حث أحد الجمهوريين المحافظين الأوروبيين على "الكف عن انتقاد إدارة ترمب على هذا النحو"، وأضاف محذرا أنهم إن لم يفعلوا، "فستكون النتيجة الوحيدة هي أن نصبح أسوأ كثيرا. فهل تريدون حقا أن تُترَكوا وحيدين مع ألمانيا القوية للغاية؟".بصرف النظر عن التهديد الضمني فإن الفكرة القائلة إن البديل لأميركا هو أن "تُترَك فرنسا وحدها" مع "ألمانيا القوية للغاية" فكرة مسلية، ذلك أن ألمانيا لم تكن راغبة قَط في الانفراد على قمة الاتحاد الأوروبي؛ والآن مع تحول السياسة الفرنسية بفضل ماكرون، لن تضطر ألمانيا إلى البقاء هناك.قد لا تكون العواطف كافية لتفسير كل الحقائق السياسية، ولكن التحول في المزاج الوطني في بريطانيا وفرنسا لا يمكن إنكاره، وسيؤدي دورا متزايد الأهمية في تحديد سياسة أوروبا.* دومينيك مويزي* كبير مستشاري معهد مونتاين في باريس. وهو مؤلف كتاب "الجغرافيا السياسية المتسلسلة أو انتصار الخوف".«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»
إيطاليا تود لو تحل محل المملكة المتحدة في الثلاثي الأقوى في أوروبا
من غير الواضح ما إذا كان الفرنسيون قادرين على تسخير الطاقة القوية والإيجابية المشعة من رئيسهم الجديد ماكرون
البريطانيون قد يصلحون الضرر الذي يلحقونه بأنفسهم من خلال مستنقع الخروج من الاتحاد الأوروبي
من غير الواضح ما إذا كان الفرنسيون قادرين على تسخير الطاقة القوية والإيجابية المشعة من رئيسهم الجديد ماكرون
البريطانيون قد يصلحون الضرر الذي يلحقونه بأنفسهم من خلال مستنقع الخروج من الاتحاد الأوروبي