في كلمته في المناسبة توقف أنطوان غاليمار في محطات من سيرة فينوس خوري غاتا الإنسانية والأدبية التي أنتجت خلالها أكثر من خمسين مؤلفاً تتوزع بين النثر والشعر استهلتها عام 1960 ولم تتوقف لغاية اليوم، احتفت فيها بجماليات العالم، وعبّرت عن أصدق مشاعر الحب مصورة إياها بحلوها ومرها، ومتوقفة عند معاناة المتألم والمظلوم، فكانت بحق المرآة التي تعكس الظلم أينما وجد، لا سيما اللاحق بالمرأة في أكثر من ظرف يواجهها في الحياة، ما أضفى فرادة على أدبها الذي ينسج خيطاً بين الغرابة والسلام والقلق والحرية والالتزام.
جسر تواصل
آتية من بلاد الأرز وجبالها الشامخة، حفرت فينوس خوري غاتا لوطنها مكاناً عميقاً في قلبها وفي عقلها ووجدانها، تستحضر صور طفولتها وشبابها في بيروت في كل مرة تشعر بالغربة في باريس، وفي كل مرة تمسك بقلمها لتسطر نتاجاً أدبياً جديداً.صحيح أنها غادرت لبنان عام 1973 بعمر 35 سنة للاستقرار في باريس مع زوجها الثاني، إلا أن المسافات لم تبعدها عن الأرض التي عشقتها، فعانت من باريس ويلات الحرب التي عصفت بلبنان، وحملت قضيته إلى المحافل الأدبية، وتألمت من الجنون الذي اجتاحه والدمار الذي لم يُبقِ على حجر أو بشر. رغم ذلك كله بقي حضور لبنان في كتاباتها وفي وجدانها هو حضور حياة وفرح وروائح الطبيعة، وليس رائحة الموت وغبار الدمار. من هنا، يبدو نتاجها الأدبي مهدئاً للروح رغم القلق الذي يسيطر على بعضه. عشقت فينوس خوري غاتا اللغة الفرنسية فحمّلتها كل ما يعتمل في نفسها من مشاعر إنسانية وفكرية، وحرصت في الوقت ذاته على أن تكون جسر تواصل بين الفرنكوفونية والحضارة الشرق أوسطية، فعرّفت الغرب من خلال كتبها إلى خصوصيات تلك الحضارة التي نشأت فيها وترعرت وتأثرت بأدبائها وشعرائها الكبار، وأبدعت في الجمع بين الأمكنة والأزمنة البعيدة وبين الحاضر، فانتشرت كتبها وشهدت إقبالاً، لا سيما أنها تتوجه فيها إلى الإنسان أينما وجد، فهو في نظرها كائن شامل في مجمل الثقافات، أحلامه واحدة وأحزانه واحدة وانفعالاته واحدة ومعاناته واحدة، فقط تختلف طريقة التعبير.ساهمت هذه الأسباب في تحرير أدبها من الدوائر الضيقة وفي انفتاحه على مجمل الثقافات، ما خوّلها المشاركة في لجان جوائز أدبية، وساهمت في إنشاء جائزة الأدب العربي في 2008، فضلاً عن كونها عضواً في لجنة جائزة سنغور وجائزة القارات الخمس للفرنكوفونية.تحدي الموت
يشكِّل الوسام الأخير الذي نالته فينوس خوري غاتا عرفان جميل من الفرنكوفونية لمسيرتها الأدبية الطويلة والغنية، والمستمرة في زخمها، فهي لا تستطيع العيش أو حتى التنفس من دون الكتابة، التي تعوّض عليها ألم الغياب والفراق، غياب الأحبة الذين خسرتهم الواحد تلو الآخر، وطالما استعادت أصوات أشخاص رحلوا ولم يبقَ منهم سوى ذكريات حية في قلبها وفي وجدانها... أصوات صديقة أو حبيبة تحاورها الشاعرة، أولها شقيقها الأصغر الذي غادر الدنيا بعمر فتي، فتحدت غيابه الجسدي وأسكنته دفاترها وأقلامها ورسمته بين أبطالها، وتهديه أية جائزة أدبية تفوز بها. في الشعر تجد فينوس خوري غاتا جنتها وسعادتها وتحرص على بناء قصيدة رومنسية، تحلق بعيداً بين الأرض والسماء. في حروفها وأبياتها بعض من موسيقى اللغة العربية، وكثير من ثقافتها، وبعض من أجواء الشعراء العرب الذين عشقت نتاجهم وترجمت بعضه إلى الفرنسية، لا سيما أدونيس. تنتهج في شعرها أسلوباً لافتاً وتعتبر من ممـثلي الاتجاه الجديـد، المتحـرر على صعـيـدي الشكـل والمضمـون، في الشعـر اللبـنـاني باللغة الفرنسية.في سطور
ولـدت فينوس خوري غاتا في بيروت عام 1937. تلقـت دروسها الثانوية في مدرسـة زهـرة الإحسان. تألق اسمها شاعرة وناقدة وروائية في بيروت قبل سفرها إلى باريس والاستقرار فيها في سبعينيات القرن العشرين.لها بالفرنسية في الشعر: «الوجوه غير المكتمـلة (1966)، الأراضـي الراكدة (1968)، في جنـوب الصمت (1975)، الظـلال وصراخها (1979 -حازت جائزة أبولينير 1980)، من يتـكلم باسم الياسمين (1980)، أيّ ليلٍ بين الليالي (2004)، المعتَّمون (2009)، إلى أين تذهب الأشجار؟ (2011) كتاب التوسلات (2015)»... في الرواية: «اللامتآلفون (1971)، حـوار حول المسيح أو حول البهلوان (1975)، ألما خياطة يد (1977)، سبعة حجارة للخاطئة (2013)، المرأة التي لم تكن تعرف كيف تحتفظ بالرجال» (2015)»... فضلاً عن كتابات في صحـف ومجـلات أدبية في فرنسا. نالت جوائز عدة من بينها: جائزة أبوليـنير، جائـزة مالارمه، جائزة جمعية أهل القلم، جائزة الإبداع اللبناني للعام 2013 التي يمنحها «المنتدى الثقافي اللبناني» في باريس سنوياً، جائزة «غونكور للشعر»...